كان لثورة مصر في2011 مطالب عدة لكن الاكثر مركزية بينها كان ماطرحه جموع الناشطين السياسيين والجمهور العريض من المواطنين الثائرين وهو ضرورة إعادة هيكلة السلطة العامة في البلاد كي تعمل بشكل مسئول وشفاف وكي ترضخ بالكامل الي سيادة القانون. يقول ناثان براون في بحثه الذي جاء تحت عنوان قضاة مصر في عصر ثوري والصادر عن مؤسسة كارينجي للسلام الدولي أنه يتوقع من قضاة مصر أن يطلوا علي بيئة مابعد الثورة بوصفها المناسبة التي يجب ان يحققوا خلالها أخيرا رؤية لطالما طرحت خلال جيل كامل في وجه رئاسة متغطرسة لاتأبه شيئا, رؤية تطالب بدولة يحكمها القانون وتحصن القضاء ضد الضغوط السياسية والمصالح الخاصة, رؤية توفر الاستقلال الكامل للقضاة أحكاما تحترم وتنفذ من قبل كل أجهزة الدولة المصرية يؤكد المؤلف علي ان دعم استقلالية القضاء في مصر بات يشمل الآن كل ألوان الطيف السياسي. وبالعودة إلي الوراء يري المؤلف ان رؤساء مصر السلطويين لم يراعوا سيادة القانون لكنهم عملوا في بيئة قانونية بل في الواقع استخدموا الأدوات القانونية بكثافة وقد كان من شأن وجود هيئة قانونية ومستقلة أن تغل أيديهم ولذا مارسوا باستمرار تكتيكات متغيرة لاستخدام القانون دون تمكين قضاة مستقلين, وحين كان يريد حكام مصر السلطويون حكما قضائيا كانوا يشكلون محاكم استثنائية أو يتحركون خارج الهيئة القضائية برمتها بدلا من إخضاع السلطة القضائية العادية الي إرادتهم السياسية. لم يبذل النظام السلطوي المصري جهدا متسقا لاخضاع القضاء الي السيطرة الرئاسية الحازمة إلا في أواخر الستينيات أي في السنوات الأخيرة لعهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حيث شكلت محكمة عليا بمرسوم وتم إغراقها بقضاة معينين من قبل الرئاسة, كما أعطي المجلس الأعلي للهيئات القضائية سلطة علي القضايا الإدارية وكذلك علي التعيينات والترقيات في صفوف الهيئة القضائية مما جعلها عمليا تحت رقابة السلطة التنفيذية. ورغم تراجع الرئيس الاسبق أنور السادات والمخلوع حسني مبارك عن العديد من إجراءات سلفهما عبد الناصر احتفظ النظاميون بالوسائل القديمة للتحرك خارج الهيئة القضائية من خلال سلسلة من المحاكم الاستئنائية والاجراءات فوق القضائية لكنهما سمحا مع ذلك لقسم كبير من النظام القضائي باستعادة استقلاليته, وهكذا تطورت المحكمة العليا لتصبح محكمة دستورية عليا أكثر استقلالية. ويكشف المؤلف ان الوسيلة الأكثر مفسدة هي التقنية التي طبقت في مصرمنذ نصف قرن والخاصة بتجنب الهيئة القضائية حين يكون هذا مناسبا سياسيا وهي تقنية استمر استخدامها حتي حين كان يتفاخر الرؤساء المصريون باحترامهم لسيادة القانون, هؤلاء الرؤساء كان بوسعهم إحالة قضايا فردية إلي المحاكم العسكرية واستخدام حشود المحاكم الاستنثائية التي فرخت علي مدي سنين لمضايقة أو حبس الأشخاص والمنظمات المزعجة سياسيا. ويشير المؤلف إلي ان التغييرات السياسية الرئيسية كانت تليها محاكم ثورية أو ما يشبهها والتي قاضت الاخوان المسلمين أو شخصيات النظام القديم في الخمسينيات وكذلك الخاسرون في الصراع الداخلي علي السلطة في السبعينيات وقد عمد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلي إلغاء معظم هذه المحاكم لكن كان يلجأ بدلا من ذلك إلي المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة حين يتطلب الأمر وهذا ما كان يحدث بالفعل. وحين فسرت المحكمة الدستورية العليا التفويض الدستوري للقضاء للقيام بالرقابة الانتخابية علي انه يعني ان القاضي يجب أن يشرف علي كل قلم اقتراع قبل نظام مبارك هذا الحكم إلا انه نقل تلاعبه الفاضح بالانتخابات إلي خارج أقلام الاقتراع بإلقاء القبض علي نشطاء المعارضة ومنع أنصارهم من التصويت. ويؤكد المؤلف أن مصر تتجه بعد الثورة إلي استقلال القضاء والاشراف علي الانتخابات إلي جانب اختيار المؤسسات القضائية لقادتها بدلا من أن يعين الرئيس شخصا يلقي قبولا لديه.