منذ ستين عاما وبضعة أشهر وفي يوم الخامس والعشرين من يناير1952 كتب اليوزباشي مصطفي رفعت اسمه بحروف من ذهب في سجل الأبطال كواحد ممن رأوا أن الاستكانة للمستعمر والرضوخ لأوامره وجبروته يعد خيانة للوطن فارتضي أن يقاتله إلي آخر طلقة في بندقيته وأن يقف أمامه مرفوع الرأس ثابت العزيمة إلي درجة أن القائد الانجليزي الذي قاد الهجوم علي صف هذا البطل المصري لم يجد بدا من أن يرفع يده تحية له واجلالا لموقفه وشجاعته, هذا البطل اليوزباشي مصطفي رفعت الذي تدرج بعد ذلك في سلك الشرطة حتي وصل إلي رتبة اللواء مساعد أول لوزير الداخلية رحل منذ بضعة أسابيع إلي دار البقاء تاركا ذكري عطرة وسيرة جليلة لا يعرفها الكثيرون من ابناد هذه الأجيال الذين بلغ عمر الواحد منهم الآن ستين عاما وهي الفرق بين مولده يوم وقعت احداث مديرية أمن الإسماعيلية ومنذ يومنا الذي رحل فيه صاحب الذكري, كانت مصر منذ إلغاء النحاس باشا رئيس وزراء مصر وزعيم الأمة لمعاهدة1936 تغلي وتفور وتطالب برحيل الإنجليز عن أرض القنال بعد أن رحلوا عن مدن القاهرة والإسكندرية وتشكلت فرق المقاومة الشعبية التي أقضت مضجع المستعمر وهاجمت هذه الفرق معسكراته في السويسوالإسماعيلية وبورسعيد, وكان لرجال الشرطة دور عظيم في مساعدة هذه الفرق فما كان من قادة الجيوش الإنجليزية المعسكرة علي شواطيء قناة السويس إلا أن هاجمت مديرية أمن الإسماعيلية وطالبت بأن يسلم جنود الشرطة أسلحتهم ويخرجوا من ثكناتهم مطأطئ الرؤوس وكان يقود الجنود المصريين من ابناء الشرطة اليوزباشي مصطفي رفعت الذي رفض الطلب الاستعماري بكل قوة وقال لمندوب قائد الجيوش البريطانية نموت ولا نسلم ودارت معركة غير متكافئة بين عساكر شرطة ليس معهم إلا أسلحة عفا عليها الزمان وجيوش مسلحة بأحدث الدبابات والمدافع وظل مصطفي رفعت ورجاله يدافعون عن مقرهم وعن مديرية الأمن إلي أن فرغت الذخيرة ولم يعودوا يطلقون بنادقهم ففطن المستعمر إلي أن الذخيرة نفدت ودارت المفاوضات واشترط مصطفي رفعت أن يخرج هو وجنوده ومعهم جرحاهم وشهداؤهم وأعلامهم مرفوعة في أيديهم وكان لهم ما ارادوا ولم يجد قائد الغزوة بدا من تحيتهم وهم يتجهون إلي السيارات التي تقلهم إلي القاهرة, وقد كنت في ذلك الوقت مذيعا مبتدئا أمام الميكرفون وأذهلني موقف هذا الضابط الذي لم يرهب المستعمر وتوجهت ومعي جهاز التسجيل إلي وزارة الداخلية بعد أن خمدت الحرائق التي اشتعلت في القاهرة وأحرقت العاصمة الجميلة عروس وباريس الشرق الأوسط وكان لقائي مع مصطفي رفعت بعد قيام ثورة1952 والتي اشعلت فينا جميعا جذوة العزة والكرامة أقول التقيته في وزارة الداخلية في أحد مكاتب العلاقات العامة وحكي يومها ما حدث بالتفصيل وكنت مع كل عيد للشرطة وعلي مدي سنوات عديدة استضيف مصطفي رفعت في برنامج مجلة الهواء الذي قدمته علي مدي سنوات طويلة حيث كنت اذكر المستمع بقصة ضابط شرطة كتب صفحة مجد في تاريخ الشرطة المصرية وظلت الصداقة قوية بيني وبينه خاصة وانه كان له نشاط رياضي فهو واحد من الفرسان الذين كانت لهم صولات وجولات في بطولات رياضة البولو محليا ودوليا وكم مرة استضفته هو وزملاءه الفرسان في برامج الرياضة.. مصطفي رفعت يرحمه الله.