حريق القاهرة بداية شرارة تنتذر بثورة 1952 وجمعة الغضب تشعل ثورة الملايين في 2011 · شرطة سراج الدين تدافع عن الحرية واستقلال الوطن.. والعادلي يصدر أمرا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين · الصحف المصرية في عهد فاروق والخاصة في عهد مبارك مهدت الطريق للثورتين · شتان ما بين الصورة يوم الجمعة 25 يناير 1952 ويوم الثلاثاء 25 يناير 2011 · حريق القاهرة سيناريو مكرر في المشهدين · اهالى السويس عامل مشترك بين الثورتين 25 يناير عيد الثورة "الشرطة سابقا" • تفاصيل المشهد الثوري في 1952 و 2011 • شرطة سراج الدين تدافع عن الحرية واستقلال الوطن.. والعادلي يصدر أمرا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين • قوات الاحتلال تقتل 56 شهيدا من جنود بلوكات النظام • بلطجية الحكومة يغتالون 360 شابا مصريا والسؤال • من يحمي المقدسات الدينية الآن؟ ومن المسئول عن حرق كنيسة القديسين؟ • الصحف المصرية في عهد فاروق والخاصة في عهد مبارك مهدت الطريق للثورتين • حريق القاهرة سيناريو مكرر في المشهدين • الجيش والشعب والشرطة والضباط الأحرار صنعوا صورة "ناصر".. والشباب الأبطال أشعلوا ثورة الغضب شتان ما بين الصورة يوم الجمعة 25 يناير 1952 ويوم الثلاثاء 25 يناير 2011، وما أعقبه من أحداث فالمشاهد الدرامية الدامية المتلاحقة التي شهدتها محافظتا الإسماعيليةوالسويس سنة 52 جعلت من هذا التاريخ رمزا لشجاعة وبطولة البوليس المصري "بلوكات النظام" الذي وقف بجوار الفدائيين في منطقة القناة يساندهم ويدعمهم ويشاركهم حراكهم الثوري ضد الاحتلال ورفض الاستسلام وتصدى لعسكر أكبر إمبراطورية في العالم ليسقط رجال الشرطة شهداء دفاعا عن الوطن . ملحمة على أرض الإسماعيلية ومذبحة أشعلت نار ثورة 52 سطرها التاريخ في أروع صفحاته. وتمر الأيام والسنون ويتغير المشهد السياسي في مصر فنجد بعض رجال العادلي يطلقون نيران بنادقهم إلى صدور أخوانهم وأولادهم من أبناء الشعب المصري ليقتلوا 360 شابا في عمر الزهور. 360 شهيدا سقطوا دفاعا عن الحرية والديمقراطية والمساواة في حين أن رجال الشرطة الذين سقطوا عام 1952 على أيدي قوات الاحتلال البريطانية لم يتجاوز عددهم ال56 شهيدا.. مشهدان مختلفان ومتناقضان يفصل بينهما 59 عاما، وربما الشئ الوحيد الذي يجمع بين المشهدين هو سقوط الشهداء والحراك السياسي والثوري الذي شهدته مصر في 1952 و 2011. فلاش باك تعالوا نرجع إلى الوراء..
نقرأ التاريخ لنكتشف أن الفساد السياسي في مصر 2011 هو الذي قتل روح الانتماء والوطنية واغتال الشباب واحلامهم المشروعة. فحكاية شعب 1952 بدأت عندما شن حزب الوفد حرب الكفاح المسلحة على الإنجليز في منطقة القناة وكان يساعده جنود بلوكات النظام " البوليس المصري وبعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار". ففي عام 1951 أعلن اللوفد إلغاء معاهدة 36 واستدعى جميع العمال المصريين الذين يعملون في معسكرات الجيش الإنجليزي في منطقة القناة وطلب منهم العصيان المدني فاستجابوا له وكان عددهم حوالي 400 ألف عامل، ووعدتهم حكومة الوفد بتدبير وظائف وأعمال بديلة لهم. وتبدأ مسيرة الكفاح وتتجمع الفصائل.. عمال مصنع الكوكاكولا وعمال السكة الحديد وطلاب مدرسة الإسماعيلية الثانوية (السادات حاليا) والفدائيون القدامى الذين شاركوا في حرب فلسطين، وكانت ساعة الصفر هي صباح يوم 16 أكتوبر 1951. وخرجت المظاهرات من المدرسة الثانوية بمنطقة "العرايشية" إلى شارع الثلاثيني لتلتقي بالعمال وبالمظاهرات القادمة من منطقة المحطة الجديدة ليصبح كل ذلك سيلا بشريا دافقا بالوطنية وحب مصر. ثم تتحرك هذه المظاهرات من شارع السكة الحديد إلى ميدان المحطة حيث توجد مباني النافي البريطاني، وهو المكان الذي كان يوفر احتياجات العائلات البريطانية التي كانت تسكن في المدينة..
وكان يعد أحد رموز الاحتلال داخل الإسماعيلية وقامت الجماهير بمهاجمته والتغلب على حراسته. وسقط أول الشهداء في ميدان محطة الإسماعيلية.. وزادت الغضبة الشعبية واقتلعت مباني النافي ودمرته تماما. وانطلقت الجماهير تدمر السيارات البريطانية التي تصادف وجودها بالمدينة، ثم تحولت إلى مساكن الضباط الإنجليز في منطقة العرايشية ودمرتها. لكن القوات البريطانية قامت بدفع قواتها المسلحة لصد المتظاهرين وكانت مذبحة انتهت بتقسيم المدينة إلى قسمين يفصلهما شارع الثلاثيني. وباتت الإسماعيلية ليلتها تحت الحصار وهي تغلي تحت وطأة الإحساس بالقهر والعجز وخاصة بعد انسحاب جنود الشرطة المصريين من المدينة بناءا على أوامر الحكومة المصرية. قطع المشهد السياسي في مصر 2011 لا يختلف كثيرا عن المشهد في خمسينيات القرن الماضي.. فمحافظات مصر تشهد منذ فترة ليست بقصيرة اعتصامات واحتجاجات وظهور قوى سياسية معارضة تطالب بإصلاح الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وترفض سيناريو التوريث.. ويلتقي المشهدان.. مشهد مصر 1951 ومصر 2011 فرجال فؤاد سراج الدين وزير الداخلية في ذلك الوقت ينسحبون من شوارع الإسماعيلية ليحكم الإنجليز سيطرتهم على المدينة وتقسيمها، مثلما فعل رجال العادلي الذين تركوا الساحة خالية يعربد فيها عناصر إجرامية قامت بالسرقة والنهب وقتل المواطنين .
وتحدث موقعة "الجمل" في ميدان التحرير والتي شهد تفاصيلها العالم أجمع في محاولة لإجهاض الثورة البيضاء. نعود لنقول إن الأحداث اشتعلت في محافظة الإماعيلية يوم 17 أكتوبر 1951 ففي هذا اليوم حاول الإنجليز أن يمنعوا بالقوة تشييع جنازة الشهداء وتحول موكب الشهداء إلى مظاهرة حب لمصر التي اشتعلت كلها عندما ذاعت أخبار الإسماعيلية وقامت المظاهرات العنيفة في بورسعيد ردا على العدوان الذي حدث على أهالي الإسماعيلية وهاجموا معسكرات الاحتلال وأشعلوا فيها النيران وسقط في بورسعيد خمسة شهداء منهم طالب في الثانية عشرة وهو الشهيد نبيل منصور. الصحافة تمهد للثورة ولعبت الصحافة المصرية دورا مجيدا في نقل أخبار الإسماعيلية إلى باقي أنحاء الوطن. وأبرزت دور الفدائيين والضباط الأحرار والبوليس في التصدي لقوى الاحتلال. وتعود الأحداث لتشابه مرة أخرى فالدور الذي قامت به الصحف الحرة سنة 1951 يحاكي ما قامت به الصحف الخاصة والحزبية التي صدرت منذ أن تم انتخاب الرئيس مبارك سنة 2005 لمدة رئاسية جديدة. حاولت هذه الصحف أن ترصد ما يدور في الشارع السياسي محذرة من خطورة تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وتنذر بحدوث كارثة ومهدت الطريق لثورة 25 يناير 2011 مثلما فعلت الصحافة المصرية سنة 1951. البعض كان يقرأ هذه الصحف معتقدا أنها تعمد إلى المبالغة والتهويل.
وتتداخل الصور، ففي ميدان التحرير تعانق الهلال والصليب ووقف المسيحيون يحمون المسلمين أثناء صلاتهم يشكلون سياجا بشريا بصدورهم العارية يصعب أختراقه من قبل الذين تم إطلاقهم من السجون والمعتقلات.. موروث ثقافي وحضاري صان الوطن وحافظ على مقدساته الدينية فلم نسمع عن كنيسة أو مسجد تعرض للنهب أو السرقة والتخريب رغم حالة الأنفلات الأمني التي صاحبت انسحاب الشرطة من ساحة الكرامة والحرية والشرف، حتى المعبد اليهودي الذي يقع على بعد خطوات من ميدان التحرير لم يتعرض لأي نوع من أنواع الاعتداء.. لا من قريب أو بعيد.. ما أروعك يا مصر.. هذا ا لتلاحم الرائع بين عنصري الشعب المصري يجعلنا نتساءل من المسئول عن إشعال النار في كنيسة القديسين بالإسكندرية؟ ومن هو صاحب المصلحة العليا في تمزيق الأمة؟.. ولنترك ذلك للأيام القادمة التي ستكشف خيوط هذه المؤامرة الدنيئة.
شرطة 52 تدافع عن الوطن في صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 يوم الراحة الأسبوعية لأجهزة وزارة الداخلية بالقاهرة وعلى رأسها الوزير.. بدأت القوات البريطانية تحكم حصارها حول مبنى محافظة الإسماعيلية الذي كان يضم حوالي 900 جندي مصري و 20 ضابطا يرأسهم اللواء أحمد رائف وفي الساعة الرابعة صباحا تم استدعاء ضابط الاتصال المصري البكباشي شريف العبد حيث سلمه قائد القوات البريطانية إنذار لإبلاغه للسلطات المصرية يطلب فيه من الجنود المصريين المحاصرين في مبنى المحافظة بتسليم أسلحتهم ثم الخروج في طوابير منتظمة تحت الحراسة الإنجليزية إلى محطة السكة الحديد حيث أعد قطارا خاصا لترحيلهم إلى القاهرة في محاولة من الاحتلال للتخلص من هؤلاء الجنود الذين يساندون المقاومة الشعبية في الإسماعيلية، وقد أعطى الإنذار مدة ساعة مهلة وإلا سوف تضطر القيادة البريطانية تفيذ المطالب الواردة في الإنذار بالقوة وفي ذلك الوقت قام فراش فندق المسافرين بإبلاغ الضباط المقيمين بالفندق بأن القوات البريطانية تحاصر مبنى المحافظة وخرج ثلاثة من الضباط وهم؛ اليوزباشي مصطفى رفعت واليوزباشي عبد المسيح مرقص والملازم أول فؤاد الدالي بسرعة للحاق بجنودهم وعندما وصل الضباط الثلاثة إلى مبنى المحافظة أوقفهم الجنود البريطانيون ولكنهم طلبوا الدخول لإعطاء الأوامر إلى الجنود بالتسليم حيث كانت مهلة الساعة التي أعطيت قد أنتهت. أما في داخل مبنى المحافظة فقد كانت الصورة مختلفة فقد استيقظ الجنود على صوت الدبابات والقوات الإنجليزية وهي تتخذ مواقعها حول مبنى المحافظة .
وأدرك الجنود أن شيئا رهيبا يُعد لهم. وبالرغم من ضخامة القوات التي تحاصرهم فقد أجمعوا أمرهم على القتال ولم تخطر فكرة التسليم بأذهانهم وبدأوا في توزيع أنفسهم داخل وخارج المبنى وحول سور المحافظة واتخاذ أوضاع قتالية وتوزيع الذخيرة وعندما وصل الضباط الثلاثة إلى المبنى الساعة الخامسة صباحا كان القرار الذي اتخذه الجنود هو القتال حتى الموت وإن الإنجليز لن يدخلوا مبنى محافظة الإسماعيلية إلا على جثث الشهداء.. وبدأت المعركة حوالي الساعة السادسة صباحا وفرض الحصار على شارع عرابي من ناحية محطة السكة الحديد حتى كوبري سالا لمنع أي فرد من التقدم لنجدة الأبطال المحاصرين واستمرت الاشتباكات وبدأت الطائرات البريطانية تحلق على ارتفاعات منخفضة لإرهاب الأبطال. واستيقظت الإسماعيلية على دوى المدافع وصوت الرصاص، وهنا أصدر فؤاد سراج الدين وزير الداخلية أمرا إلي اليوزباشي مصطفى رفعت بالقتال واستمرت المذبحة حتى الساعة الحادية عشر حيث طلب مصطفى رفعت هدنة لدخول سيارات الإسعاف لنقل الجرحى ولكن إكسهام القائد البريطاني رفض واستمر القتال.
وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر بعد قتال استمر 8 ساعات توقفت المذبحة وخرج مصطفى رفعت يستسلم بعد أن نفدت الذخيرة من الجنود وتهدم عليهم مبنى المحافظة واقتحمت الدبابات البريطانية السور الخارجي وسقط 56 شهيدا يمثلون مصر كلها من الصعيد إلى الدلتا والقاهرة والإسكندرية وتم أسر 790 جنديا وضابطا وعدد كبير من الجرحى وفقد الجانب البريطاني 3 جنود وضابط وجرح 12 جنديا. وفي اليوم التالي أذاع (جلال معوض) في الإذاعة المصرية خبر هذه المعركة التي خاضتها قوات بلوكات النظام ببطولة وشجاعة. هذا هو مشهد من أحداث 1952 حيث تلاحم الشعب والشرطة والضباط الأحرار وكتائب الفدائيين وفصائل الجيش للدفاع عن حرية الوطن. أما ما حدث من قتل الأبرياء في محافظات مصر في 2011 فإنه يحتاج لدراسة متأنية لمعرفة أسبابه ودوافعه والموضوعية تفرض علينا القول بأن هناك عناصر في شرطة العادلي كانت ترفض تنفيذ الأوامر الصادرة إليها بإطلاق الرصاص على الشعب المصري وشباب الثورة. القاهرة تحترق وما أشبه اليوم بالبارحة.. ففي الأمس ومنذ 59 عاما تعرضت القاهرة لحريق مدبر.. يقول الخبر الذي نشرته الصحف المصرية في ذلك الوقت: في ظهيرة يوم 26 يناير 1952 شبت حرائق مفتعلة في أنحاء متعددة من القاهرة وبدأت بإحدى دور اللهو بميدان الأوبرا وامتدت إلي شارع إبراهيم "الجمهورية" وفؤاد "26 يوليو" وسليمان باشا " طلعت حرب" وعمت الشوارع الرئيسية.
فأهالي السويس دعموا ثورة 25 يناير 2011 بدمائهم الطاهرة ووقفوا يتحدون محاولات القمع البوليسية من قبل عناصر الشرطة الموالية للعادلي وعمت المظاهرات أحياء السويس وتصدر المشهد السياسي الشيخ حافظ سلامة زعيم المقاومة الشعبية والذي نزل لميدان التحرير ليساند شباب الثورة رغم كبر سنه. وما حدث في السويس ليس بغريب على هذا الشعب البطل فالتاريخ مازال يحتفظ في ذاكرته بمعركة " كفر عبده" التي يقول عنها: عندما فقدت القيادة البريطانية قدرتها على مواجهة شعب الإسماعيلية ورجال بلوكات النظام الذين كانوا يساندون الكفاح الوطني المسلح وكتائب التحرير التي كانت تُغير على أطراف المحافظة من ناحية الشرقية فقامت القيادة البريطانية بعزل منطقة القناة عزلا كاملا ومنعت دخول الصحف المصرية وأوقفت حركة العمل الإداري والمدني بما في ذلك القضاء ودخل شعب القناة في حرب حقيقية مع القوات البريطانية.. وفي معركة كفر أحمد عبده بالسويس قامت قوات الاحتلال في 8 ديسمبر 1951 بحشد حوالي عشرة آلاف جندي و 250 دبابة و 50 مصفحة وعشرات الطائرات لتهدم 156 منزلا وذلك في محاولة لتحطيم روح المقاومة الشعبية ولتكشف لشعب القناه ضعف الحكومة، ولكن معركة كفر عبده جاءت نتيجتها عكسية فقد ألهبت الشعور الوطني في مصر كلها وازداد الضغط الشعبي على الحكومة المصرية فاصدرت في 11 ديسمبر عدة قرارات ضد الإنجليز منها سحب السفير المصري من لندن وطرد كافة الموظفين الإنجليز الذين كانوا يعملون في الحكومة المصرية كما صدر تشريع يمنع التعامل مع الاحتلال في منطقة القناة. وفي النهاية تحققت الثورة المصرية في 1952 وسقط الحكم الملكي الفاسد وأُعلنت الجمهورية.. ونجحت ثورة الشباب في 2011 في إحداث تغيير ليس في مصر وحدها بل في كافة أرجاء الوطن العربي.. فتحية لشهداء الثورتين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن حرية الوطن وكرامته .