اكتسب الدكتور محمد مرسي, رئيس الجمهورية الثانية, الشرعية الشعبية والسياسية النخبوية, والدستورية القانونية, من خلال ثلاث جولات مكوكية, ظهرت بداياتها مع يوم الجمعة الموافق29 يونية, حيث الاحتفال مع الثوار في التحرير بمراسم تنصيبه رئيسا للجمهورية, واستكمالا بيوم السبت30 يونية حيث التنصيب الفعلي والقانوني له, حيث حلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا, وانتهاء بجامعة القاهرة, حيث التنصيب النخبوي والشعبي والسياسي له ومن جماع كل ذلك بعث د/ مرسي العديد من الرسائل والتطمينات علي جميع الأصعدة ومن أهمها أنه رئيس لكل المصريين, وأنه يبدأ عهدا جديدا قائما علي احترام سيادة القانون وإعلاء قيم الدستور, واحترام مؤسسات الدولة وعلي رأسها القضاء والجيش والشرطة.. إلخ. فهو بذلك ينتصر للدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الدستورية الحديثة ومنصبا نفسه أجيرا عند الأمة وخادما للشعب وحكما بين السلطات وراعيا للدستور والقانون, مع تعهده بالمحافظة علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه, هذا علاوة علي تأكيده إحترام مبدأ المواطنة والمناداة بتوسيع دور المجتمع المدني في تحقيق التنمية الشاملة ودعم كل قضايا الوطني, وفي هذا السياق ايضا نادي بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية والاجتماعية, واحترام حقوق الشهداء, مع ازالة آثار الفوضي الاقتصادية التي خلفها النظام السابق بممارساته وسياساته, والدعوة الي تشجيع الاستثمار والسياحة والعمل علي زيادة الانتاج. لقد حملت رسالات د/ مرسي العديد من الإيجابيات يمكن إجمالها في تأكيده علي احترام سيادة القانون وأن الأمة هي مصدر السلطات, وضرورة المحافظة علي استقلال القضاء وتنفيذ أحكامه, والتمسك بالمؤسسات العسكرية الشرطية, والمناداة بالعدالة الاجتماعية, مع تفعيل الدور المصري لاستعادة مكانتها عربيا ودوليا, ومع ذلك فالاختبار الحقيقي للجميع حكاما ومعارضة ومظنمات المجتمع المدني والمؤسسات الادينية والثقافية.. هو كيفية الوصول الي المصالحة الوطنية لتحقيق الديمقراطية التوافقية والخروج من الأزمة السياسية المصرية الحالية. أما بالنسبة للقوي السياسية بمختلف أطيافها فإن عليها واجبات جساما تجاه مؤسسة الرئاسة والشعب المصري بأكمله يأتي في مقدمتها صدق النيات للمصارحة والمصالحة الوطنية والبعد عن تصفية الحسابات وتقديم العديد من التنازلات الوطنية أو مايطلق عليه( فاتورة المصالحة الوطنية) للوصول الي صيغة تفاهمية للمصالحة الوطنية.. فكيف يكون ذلك؟ بداية لابد ان تكون أولي خطوات الحوار والمصالحة الوطنية هي العمل علي اعادة بناء الثقة السياسية بين الشارع وبين القوي السياسية والنظام السياسي الحاكم بإجرءات وسياسات فاعلة وملموسة, مع مساهمة المعارضة في تضميد الجراح وتهدئة الشارع المصري وبث روح الأمل بين السلطة الجديدة المنتخبة والجماهير خاصة بعد تطمينات د/ مرسي وتعهده بإقامة دولة القانون واحترام أحكام القضاء واستقلاله وسعيه لإقامة عدالة اجتماعية.. إلخ فالديمقراطية التوافقية والمصالحة السياسية هي الحل الأمثل لأزمتنا الحالية, والتي تحتاج الي ترتيبات سياسية وآليات مناسبة لتحقيق ذلك من خلال حوار وطني عام للاتفاق علي مشروع موحد لنهضة مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, دون وضع شروط مسبقة وأجندات خاصة للحوار, علي ان يكون ذلك في اطار مرجعيات دستورية وقانونية توافقية تصب في مصلحة الشعب مصدر السلطات, والتأكيد علي ضرورة اجراء اصلاحات أمنية وسياسية واقتصادية عاجلة وفاعلة, لإقامة ديمقراطية توافقية مؤسساتية. إضافة الي ذلك لابد من تبني مسارات متعددة لمعالجة الأزمات المصرية سواء كان علي المستوي القانوني أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الحقوقي, مع العمل علي السعي لإعداد دستور جديد يعبر عن روح عصر ثورات الربيع العربي وإعادة النظر في المنظومة التشريعية المصرية لكفالة حقوق المواطنة الكاملة وإيقاف سياسة التمييز لجميع صورها, والتمثيل السياسي العادل والمتوازن للأقليات والفئات المهمشة اجتماعيا واقتصاديا, والعمل علي ترسيخ ثقافة حقوق الانسان. فبالحوار الوطني والمصارحة والمصالحة الوطنية والبعد عن التجاذبات السياسية والاستقطابات الخارجية, والانصهار في مشروع وطني( مصر الجديدة) المتوافق عليه سياسيا وشعبيا, تقوم بتنفيذ ملامحه حكومة توافقية تضم جميع أطياف المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا, والبعد عن التوظيف السياسي والنفعي للأزمات وقضايا حقوق الانسان, واستحضار تجربة المصالحة الوطنية في المغرب والتي هي استمرار لنضال سياسي واستجابة لمجهودات المجتمع المدني من أجل الاصلاح المؤسساتي والدستوري وحماية استقلال القضاء.. وذلك من خلال حوار وطني توافقي شامل بدون اقصاء أو استئثار يمكن الخروج من الأزمة السياسية المصرية الحالية وتحقيق حلم مشروع نهضة( مصر الجديدة) في اطار دستور يحقق أماني شعوب ثورات الربيع العربي وطموحاتها.