سمير العصفوري أحد المخرجين الكبار الذين أثروا الساحة المسرحية لسنوات عديدة بأعمال أعطت للمسرح ثراء فنيا.. فقد عاصر مجموعة من العمالقة ازدهر بهم المسرح وازدهروا به وقت أن كان في قمته.. اليوم ونحن نحتفي بيوم المسرح العالمي التقيناه لنعرف منه السبب الحقيقي لمعاناة المسرح فكان هذا الحوار: برأيك هل تأثر المسرح بالسينما والتليفزيون والميديا الاخري فكان هذا التراجع الملحوظ في دوره..؟ كل هذه الأشياء موجودة من قبل.. أوروبا ايضا لديها كل هذه الميديات ومع ذلك الأمر عندها مختلف.. السبب الحقيقي هو أنه لم يتم زرع فكرة الثقافة المسرحية في وجدان المواطن المصري بشكل دقيق كما زرعت في وجدان المواطن الغربي.. فالمسرح جزء من المتعة الثقافية الرفيعة لم يتم زرعها كما زرع مثلا سماع اغاني أم كلثوم والذهاب لمباريات الكرة. ما السبب في غلق أكثر من عشرين مسرحا بالقطاع الخاص بعد الأزدهار الذي حالفهم في الأعوام الماضية..؟ * أغلقت لأن الإنتاج مكلف.. ومسرح القطاع الخاص يعتمد علي المتفرج القادر الذي باستطاعته دفع ثمن التذكرة ولهذا سمي بالمسرح السياحي.. لأن تذكرة السفر كانت تشمل بند الذهاب إلي المسرح لمشاهدة أحد العروض.. الآن أصبح هناك اقبال عربي علي لندن وباريس ومؤشرات التحول ظهرت.. ولم يعد السائح يبحث عن العروض الفنية ولم يعد هناك اقبال جاد وحقيقي علي المسارح. ولماذا ابتعد النجوم الكبار عن المسرح..؟ * المقارنة كبيرة بين العائد الذي يحصلون عليه من التليفزيون أو السينما وكذلك سرعة إنجاز المشروع السينمائي أو التليفزيوني.. يضاف إلي ذلك الملل الذي يصيب الفنان بسبب التدريب المستمر.. فكيف يذهب فنان للمسرح وباستطاعته أخذ في شهر واحد عشرة اضعاف ما قد يحصل عليه في سنة بالمسرح. وهل يعتبر هذا تخليا منهم عن المسرح..؟ * الجمهور هو الذي تخلي عنه بدليل محمود حميدة الذي قام بعمل مسرحية مع الأستاذ سعد اردش علي المسرح القومي اسمها الشبكة ولم تنجح.. القضية ببساطة.. تم تفكيك العقد ما بين الجمهور والمسرح فلم يعد المسرح مهما أو ضروريا بالنسبة له خاصة وهو يبحث عن احتياجاته ويحصل عليها بالكاد وليس لديه فائض ليدفع ثمن تذكرة مسرح.. فعندما يصل الأمر بالمسرح إلي أن اغلي نجم مثل عادل امام الزعيم يعرض مدة يومين في الاسبوع معني ذلك أن هناك جزءا من معادلة المسرح سقط وهو اهتمام الجمهور. اذا كان كذلك فكيف استمرت مسرحية الملك لير كل هذه السنوات..؟ * لأن علي رأسها نجما كبيرا جماهيريا هو يحيي الفخراني كان لديه من العزيمة والاصرار والتضحية ما يجعله يعرض كل هذه السنين.. في الخمسينيات والستينيات كان المسرح أكثر ازدهارا.. لماذا.؟ * فعلا.. لم يكن المسرح القومي يقوم بعمل دعاية وإعلان عن المسرحية ولكن كنا عندما نري الإضاءة علي المسرح نعرف أن هناك مسرحية جديدة نذهب كلنا إليها.. الان اصبح الانسان يبحث عن ثقافة العزلة والابتعاد عن التجمعات الحية بفعل الظروف الأقتصادية. هناك رأي يقول لم يفلح المسرحيون في إخراج المسرح من أزمته رغم كل المحاولات التي بذلوها وبالنهاية ألقوا بأزمة المسرح علي الجمهور الأمي ليحملوه فشلهم...؟ * أنا لا احمل الجمهور المسئولية.. الجمهور تخلي عن المسرح ولكنه مضطر إلي ذلك.. كما أن أزمة المسرح ليست مسئولية أحد وإنما هي ازمة دولة وهي لا تنفصل علي الإطلاق عن أزمة رغيف العيش والوظيفة وأنبوبة البوتاجاز وارتفاع الأسعار.. فالترفيه يأتي في نهاية قائمة المتطلبات اليومية.. الأزمة علي بعضها متداخلة بها جانب اقتصادي وجانب فكري وجانب سياسي. وماذا عن النقد المسرحي.. هل له دور فيما وصل إليه المسرح..؟ * الساحة النقدية المسرحية فقيرة وقليلة العدد.. انظري للجرائد والمجلات لاتوجد مساحات للمسرح بداخلها كما كان.. قديما كانت هناك معارك تقام علي صفحات الجرائد وكان من الممكن ان يتقرر مصير أحدنا عندما يقرأ مقالا لفؤاد دوارة أو الدكتور الراعي.. اليوم نادرا اذا تعاطف ناقد ليكتب عن أحد المسرحيين. تقول حتي لو مثل كبار نجوم مصر بالمجان لن يذهب الجمهور للمسرح.. لماذا هذه النظرة التشاؤمية..؟ * هذه ليست نظرة تشاؤمية ولكنها حسابات دقيقة للأمور خاصة اذا قارنا مجتمعاتنا بمجتمعات أخري مستقرة ووضعها الأقتصادي أفضل.. ولا ننسي أن هناك دعوة تدميرية لاعتبار المسرح حراما لاقصاء الناس عنه.. اعتقد أن العملية كبيرة جدا فهي ليست في يد قيادة مسرحية واعية ولا بيد مخرج عفريت ولا نجم شاطر وانما هو ظرف يحدث ببعض المجتمعات يصيب الأنشطة الثقافية بالترهل وفقا لايقاع السوق. ما رأيك بمسرح الهناجر وهل اسهم في حل الأزمة؟ * هو محاولة فنية نشيطة غير مرتبطة بمؤسسة ولكنها مرتبطة بسيدة تتمتع بنشاط كبير هي الدكتورة هدي وصفي.. وللحق هي تقوم بمحاولات جادة وتحارب ببدائل خاصة ولكنها مجهدة وقد استطاعت عمل خطوات جيدة.. ورغم كل هذا لن تستطيع وحدها تغيير صورة المسرح.. لابد وان يحارب الجميع. وماذا عن المسرح التجريبي...؟ * عندما وجد الفنان فاروق حسني الجمهور منغلقا علي ذاته ولا يستطيع السفر لرؤية العروض بالخارج جاء بالمسرح التجريبي ليعرض عشرة أيام في السنة يتعرف خلالها علي ألوان وعروض جديدة ليري ويعرف فكر الآخر ولكن ليس هذا هو الحل.. أيضا هناك عوامل أخري لابد وأن تتفاعل لانقاذ المسرح. وماذا عن المسرح المستقل..؟ * هو النشاط الحيوي للمسرحيين الجدد لأثبات ذواتهم ووجودهم وعندما تنصلح الأحوال الاقتصادية ويعود المسرح لبريقة سيكون الأمل في الفرق المستقلة.. هل توافق علي عرض العمل المسرحي بالتليفزيون كمساعدة للنهوض به..؟ * عندما رأينا أن الجمهور لا يذهب إلي المسرح قررنا نحن الذهاب إليه من خلال برنامج سبوت لايت الذي قدمته علي أحد القنوات الفضائية وعرضت من خلاله ثلاثة وثلاثين عرضا مسرحيا ونقيس علي هذا أن العرض بالمسرح يشاهده في العام تقريبا مائة الف متفرج بينما في التليفزيون سيشاهده الملايين ومع ذلك ليس التليفزيون بديلا للمسرح انه يساعد علي تعريف الجمهور بالمسرحيين وبجيل جديد وأفكار جديدة تجذب الجمهور للمسرح فيما بعد. هل مازال كتاب المسرح يكتبون..؟ * لدينا كتاب جيدون وشباب جيد ولكن الفرصة نفيسة.. فما أهمية الكاتب المسرحي الجيد والمسرح بالأساس مغلق بدون جمهور.. والمسرحيون الشباب في حالة تعسة للغاية لأنهم يعانون معاناة شديدة لتقديم عروضهم الفنية.. وهناك من يشقي شقاء مرا لإخراج عرض مسرحي من الأول مفهوم انه عرض متواضع.. ماذا يعمل المسرحيون الآن..؟ * المسرحيون الجادون المرتبطون بالمسرح في حالة بطالة حقيقة وليست هناك أي وسيلة لاخراج هؤلاء الفنانين الكبار من هذه البطالة. وبظني الإنتاج المتوافر والموجود الأن هو إنتاج وظيفي في حدود العمل الوظيفي وفي حدود إمكانات متواضعة للغاية واعتقد من يعمل الآن بداخله شحنة فن يريد اخراجها فيقبل بأنصاف الحلول.. المؤسف أنه قد يصل الأمر في بعض الحالات إلي ان يجمع الممثلون من بعضهم البعض لشراء تذاكر المسرح. المسرح بظروفه الراهنة ضحية انكماش اقتصادي في موارد الأسرة. هل هناك بارقة أمل في عودة المسرح مرة أخري.؟ * أكيد عندما تستقر الحياة اقتصاديا سينتعش المسرح وتزول كل العقبات من أمامه.