حقيقة مروعة لم يتطرق اليها د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء في مؤتمره الصحفي يوم الجمعة الماضي عندما تحدث عن الأسباب التي تؤدي إلي إنقطاع الكهرباء المستمر في مختلف أنحاء مصر في الفترة الأخيرة وبدأت تهدد كثيرا من المؤسسات والمرافق المهمة مثل قطارات المترو والمستشفيات والمصانع ومبني التليفزيون بل ضربت محافظات بأكملها. هذه الحقيقة التي لم يتطرق إليها هي أننا أصبحنا بالفعل في أزمة نقص طاقة كهربائية كبير جدا وأن الأزمة ستستمر لعدة سنوات قادمة نظرا لأن ما ننتجه من كهرباء سواء عن طريق المحطات المائية كالسد العالي أو المحطات الحرارية لم يعد يكفي الإحتياجات المختلفة في مصر وأصبح هناك بالفعل عجز كبير في الطاقة الكهربائية التي نحتاج إليها حاليا تصل نسبته إلي 10% من إجمالي ما نحتاجه، وقد أصبح هذا يهدد مستقبل كل الاستثمارات المزمع تشجيعها في الفترة القادمة بعد إستقرار الأوضاع السياسية، كما ان إقامة محطات توليد الكهرباء مكلف جدا ويحتاج إلي سنوات طويلة. وقد حدث للأسف نوع من التراخي طوال السنوات الماضية في إنشاء هذه المحطات بالشكل الذي كان يتمشي مع متطلبات التنمية وإحتياجات المواطنين وكانت هذه جريمة ارتكبها النظام السابق ضمن تعدد جرائمه في حق هذا الوطن. ومع احترامي وتقديري للدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء في مطالباته للشعب بترشيد استهلاك الكهرباء ومطالبتهم بارتداء الملابس القطنية للتخفيف من شدة حر الصيف وتخفيض عدد أجهزة التكييف وتشغيل جهاز واحد دون تشغيل 6 أو 7 أجهزة في وقت واحد والتجمع في غرفة واحدة لترشيد استهلاك الكهرباء بالمنازل وأنا لا أعرف كم عدد الأسر التي حصرها رئيس مجلس الوزراء التي تمتلك 6 أو 7 أجهزة تكييف في مقر إقامتها خاصة وأنه يعلم ان اكثر من 50% من الشعب المصري تحت خط الفقر وأن نسبة كبيرة من المواطنين لا يملكون حتي مروحة كهربائية لتقلل لهم حرارة هذا الجو القائظ. وقد أثارت تصريحات رئيس مجلس الوزراء موجة من الانتقادات بين كثير من المواطنين الذين استقبلوا تصريحاته بردود أفعال مختلفة تراوحت بين الغضب والاستنكار والسخرية وأثارت تخوف المواطنين من تصاعد أزمة الكهرباء خلال الأيام المقبلة ولجوء الحكومة إلي رفع أسعارها، خاصة مع عدم تبرير المسئولين سبب أزمة انقطاع الكهرباء، إلا بسبب زيادة الأحمال وارتفاع درجات الحرارة، وهي الأسباب التي لم تقنع رجل الشارع. لذا أطالب رئيس مجلس الوزراء بان يصارح الشعب من الآن بحقيقة الأزمة وأنها لن تنتهي طوال السنوات القليلة القادمة لكن قد تخف حدتها بعد إنتهاء فصل الصيف الذي يفرض استخدام طاقة أكبر من الكهرباء خاصة في شهر رمضان الذي سيظل قدومه مستمرا لعدة سنوات قادمة خلال فترة الصيف، كما ان عملية انشاء محطات توليد كهرباء حرارية ليست بالسهولة بمكان وأن يوضح لهم أن الموجود منها تحت الإنشاء حاليا والذي سيدخل الشبكة قريبا مثل محطة غرب دمياط أو محطة أبي قير ستقلل بالفعل من حدة المشكلة لكن لن تنهيها. لذا يجب علي الحكومة من الأن أن تبدأ بعد مصارحة الشعب في وضع إستراتيجية طويلة الأمد لإنشاء محطات توليد كهرباء حرارية تكفي لسد العجز الموجود حاليا وتوفر لأية مشروعات تنمية مستقبلية حاجتها من الطاقة الكهربائية، ولابد أن نوفر لكل محطات التوليد الوقود أو الغاز اللازم لها حتي لا تخرج من الخدمة كما يحدث حاليا. هذا إذا كنا نريد فعلا أن تعود عجلة الإنتاج للدوران وأن تكون هناك تنمية حقيقية في الفترة المقبلة واستثمارات ضخمة تعمل علي الحد من مشكلة البطالة وتعمل علي إستغلال طاقات هذا الوطن التي ظلت مهدرة ومنهوبة عدة سنوات مضت وهذا لا يمنع في نفس الوقت ان تكون هناك توعية مستمرة للمواطنين لترشيد إستهلاكهم للكهرباء دون أن يؤثر ذلك علي إحتياجاتهم الفعلية منها.