توقع عديدون ألا تمر حادثة رفح التي أشارت إلي حالة ترهل خطوطنا الأمامية مرور الكرام, ورغم ذلك كانت التغييرات التي طالت قيادات المخابرات والشرطة وأخيرا الجيش مفاجأة للجميع. ولأن الموقف السياسي منذ أيام لم يكن يسمح بتخيل حل حاسم للوضع داخل الجيش بات الأمل في حسم ازدواجية القيادة داخل الدولة. لقد حظي المشهد السياسي طيلة الشهور الثلاثة الأخيرة بالعديد من التناقضات التي لا يمكن معها استمرار الجمهورية الثانية: ثلاث محطات قال الشعب فيها كلمته بنزاهة: تعديلات دستورية ومجلس نيابي بغرفتيه ورئيس منتخب ومجلس عسكري تم تعينه من قبل النظام السابق كانت له كلمة عليا في شئون البلاد تمادي في سطوته حتي حل مجلس الشعب المنتخب وركز السلطة التشريعية الحقيقية في يده. هذا الوضع لا يمكن معه إدارة دولة مهما يكن حجمها. لقد وصل الأمر إلي عدم قدرة رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة علي إقصاء قائد الشرطة العسكرية من منصبه! ومع دخول الدولة في مرحلة تطهير بدأت في سيناء كان لابد من حسم للأمور, إما استيلاء المجلس العسكري علي مقدرات الأمور وإما أن تكون الشرعية لمن انتخبهم الشعب. هذا التسلسل المنطقي لتداعيات الأحداث كان ينقصه اللحظة الحاسمة والتي كانت في رفح. ما حدث ليس نهاية المطاف فالدولة العميقة مازالت قوية وتتمثل مظاهرها في الغياب الأمني في شوارع العاصمة وفي الاعتداء علي كمائن الشرطة والجيش في سيناء وفي بلطجة العديد ممن تربوا في ظل النظام القديم ماديا وفكريا ليرسخوا الفوضي كمفهوم للحرية. لقد أنشأ النظام البائد أوضاعا قانونية ومادية يستحيل معها أن ننشر منظومة العدل التي هي عماد أية تنمية دون تطهير هذه الشرزمة الخارجة علي العدل بالقانون وبغيره فلن يكون في مقدورهم أن يتقبلوا وضعا يطل العدل من جنباته, فهم لب الخطر علي مدنية الدولة بمعناها الحقيقي فلا دولة بالأساس تقوم علي الظلم ببعديه الماضي والمستقبلي. أما البعد العسكري للموقف السياسي فلا أعتقد أنه بات مطروحا بعدما عاد الجيش لأداء مهمته الوطنية في الذود عن تراب الوطن. بقي أن الأمر ليس ببساطة الطرح فلكل قاعدة انحرافاتها فعلينا الحذر فمجزرة رفح حلقة متوقعة في سلسلة متعددة الحلقات ستزداد وتيرتها في الفترة المقبلة إن لم يتم التصدي لأسبابها بصورة حدية قاطعة سريعة. لقد كان إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي انتقص من سلطات رئيس الجمهورية لصالح المجلس العسكري خطوة موجبة ول اتباعها بعودة مجلس الشعب المنتخب حتي تستكمل الدولة مقوماتها المنتخبة. ويبقي أن عودة الأمن من خلال فرض كامل الأحكام العرفية علي قطاع أو منطقة بعينها ليتم تطهيرها بالكامل من المجرمين والمسجلين خطر والخارجين علي القانون بكل صوره وبحزم, ولتنصلح أمورها في منظومة جديدة تستند للعدل بعيدا عن قانون وضع لحماية من وضعه باستثناءاته المتعددة. ولنتذكر أن علي الحزب الحاكم أن ينشط مع غيره من الأفراد; بلا إقصاء لأحد; لتعبئة الدولة لمرحلة جديدة جادة من العمل السياسي التنموي لبناء الجمهورية الثانية علي أسس الحكم الرشيد من قدوة وعدل!