لا تكفي زيارات الرئيس المفاجئة لسيناء, ولا إفطاره يوم الجمعة الماضي, مع جنود وضباط المنطقة الحدودية في رفح, للدلالة علي عزم الدولة الجديدة, بسط نفوذها وسيطرتها علي تلك المساحة المنسية من الأرض المصرية. تلك التي عانت علي مدي العقدين الماضيين, من إهمال يصل إلي شبهة العمد ويرقي إلي تهمة التفريط, فما تحتاجه سيناء يظل أكبر بكثير من مجرد زيارة رسمية لرأس الدولة, تستهدف في حقيقتها تطييب خواطر أسر الشهداء, وما يتطلبه فرض السيادة فيها يظل هو الآخر أكبر بكثير من حملات التمشيط الأمنية, التي تنفذها الآن قوات مشتركة من الجيش والشرطة, لتطهير ما يسمي بؤر الإرهاب علي الحدود. المؤكد في الأمر هو أن ذلك الحادث الخطير الذي تعرضت له منطقة رفح في الأسبوع الماضي, قد فتح مجددا واحدا من أهم وأخطر الملفات السياسية في مصر والمنطقة العربية بشكل عام, وهو ملف اتفاقية كامب ديفيد, تلك الاتفاقية التي لعبت ولاتزال تلعب دورا كبيرا, في غل يد مصر عن السيطرة الكاملة علي سيناء, بماتتضمنه من نصوص تحظر وجود أي قوات عسكرية حقيقية في مناطق الحدود, وتحويل وجود الدولة فيها, بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان, إلي مجرد وجود رمزي, لا يكفي بطبيعة الأحوال لمواجهة ما تتعرض له المنطقة الحدودية من خروقات. لم يكن ما شهدته رفح قبل أيام في حقيقة الأمر, سوي أحد أبرز تجليات كوارث تلك الاتفاقية المشئومة بما تتضمنه من نصوص, تقيد قدرات مصر وإحكام سيطرتها العسكرية كاملة علي جزء مهم جدا من أراضيها, وقد كانت تلك النصوص هي نفسها التي وقفت علي مدي عقود, حائلا دون تعمير سيناء, وتحويل المساحة الأكبر من أراضيها الشاسعة, إلي فراغ أمني واقتصادي فتح الباب علي مصراعيه, أمام العديد من المؤامرات الصهيونية علي أرض البوابة الشرقية للبلاد. لقد بدا الأمر مساء الأحد قبل الماضي أشبه بكابوس مفزع, عبر عنه أحد الضباط وهو ينزف علي أحد الأسرة في مستشفي العريش ويبحث عن سلاحه, قبل دقائق من استشهاده عندما قال: لقد أخذنا علي حين غرة. لم تتكشف الحقائق بعد فيما يتعلق بالجريمة التي جرت في رفح, برغم ما انتهت إليه مؤسسة الرئاسة من قرارات لا يمكن لها وحدها, وإن اختلفت التفسيرات حولها, أن تطفئ نيران الثأر المشتعلة في قلوب الملايين من المصريين. لا بديل إذا ما أرادت الدولة المصرية الثأر لشهدائها, عن مراجعة شاملة لاتفاقية كامب ديفيد, بالتزامن مع البدء فورا في إجراءات عملية علي الأرض, من شأنها أن تغير ملامح تلك المعادلة الصفرية, التي فرضتها بنود تلك الاتفاقية, التي جردت مصر من حقها المنطقي في فرض سيادتها كاملة علي قطعة هي الأغلي من جملة أراضيها, وهو أمر لن يتحقق إلا عبر خطة قومية شاملة للتنمية, تفتح الباب أمام عشرات الآلاف من أبناء سيناء, في فرص عمل حقيقية تربطهم بالوادي, وتعزز من أواصر علاقات تاريخية بين القلب والطرف الشرقي, وذلك هو السبيل الوحيد لصد الخطر المقبل من خلف السلك الشائك.