اعتاد بعض الناس حينما يموت له إنسان أن يقيم حفل تأبين للميت ويقوم بدعوة الناس لحضور ذكري الخميس والأربعين فهل هذه المسألة لها أصل في الشرع أو لا؟ إن الناس في كل زمان ومكان يبتدعون ولا يتبعون وهم بهذا التصرف يخالفون قول الله تعالي: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا, وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة علي أن المسلم عليه أن يتأسي بمنهج حبيبه ونبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم خاصة إذا كان يرجو الله واليوم الآخر. وفرق العلماء بين الرثاء والتأبين فقالوا: التأبين معناه البكاء علي الميت والثناء عليه أما الرثاء فمعناه الترحم علي الميت والترقق له وبكاؤه ومدحه وذكر محاسنه ونظم الشعر فيه لأن الناس يجتمعون في مكان معين لذكر محاسن الميت. ولكن فقهاء الحنفية ذكروا أن جواز تأبين الميت أو رثائه علي حسب التعبير الدقيق بشرط ألا يبالغ الإنسان في الثناء علي الميت فإن بالغ في الثناء علي الميت فإن فعله يكون مكروها ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك. أما الشافعية فذهبوا الي كراهة الرثاء وإذا كان الإنسان يريد الخير للميت والثناء عليه فإنه قد مضي الي حال سبيله وبهذا يكون الأولي الدعاء للميت عملا بقول الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أما الحنابلة فذهبوا الي أن كل قول يدعو الي تجديد الحزن علي الميت وتحريك المشاعر بأي صورة من الصور فإنه يكون مكروها ولهذا نقول: إن رثاء الميت من غير مبالغة في الثناء علي الميت لا مانع منه لأن الإنسان قد يفعل ذلك ويظهر محاسن الميت ورثاؤه قد يرقق قلوب الناس ويجعلهم يقتدون بالميت ويسيرون علي نهجه. أما المبالغة فهي مرفوضة تماما. كما أن ذكري الخميس والأربعين ليست من الإسلام في شيء. * طلقني زوجي ثم عاشرني معاشرة الأزواج ولكنني لم أسمع منه كلمة المراجعة وقال أحد أقاربي إن الرجعة بالمعاشرة لاتصح ولابد من المراجعة بالقول وأن يقول الزوج راجعت زوجتي. فهل ما وقع بيني وبين زوجي يعتبر مراجعة أو لا؟ ** الرجعة معناها رد الزوجة الي زوجها في عدتها بعد طلاق غير بائن أي غير مكتمل للثلاث واتفق الفقهاء علي أن الرجعة مشروعة بما ورد في كتاب الله وسنة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال تعالي: وبعولتهن أحق بردهن. واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود والحاكم أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما طلق حفصة جاءه جبريل فقال له: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة فراجعها وشرعت الرجعة لفتح باب الخير أمام الزوجين ولعل كلا منهما يراجع نفسه أو لعل المخطئ يعتذر عن خطئه. واتفق الفقهاء علي أن الرجعة تكون بالقول كأن يقول الزوج راجعت زوجتي أو رددت زوجتي الي عصمتي أو ما شابه ذلك. وذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة الي أن المراجعة كما تكون بالقول تكون أيضا بالفعل مثل أن يعاشر الزوج زوجته معاشرة الأزواج أو أن يقبلها بشهوة أما الشافعية وبعض الحنابلة فقد ذهبوا الي أن المراجعة لا تجوز بالفعل لأن القول يعين الشاهد علي الشهادة. ولكن مادام زوجك أيتها السائلة قد اعتذر إليك ثم عاشرك معاشرة الأزواج فإنه بهذا يكون قد راجعك مادمت في فترة العدة من طلاق غير مكمل للثلاث ولعل من أفتاك شافعي المذهب ولهذا فإنه يكون قد أخذ بقول الشافعي في ذلك ولكننا نقول لقد عدت الي زوجك باعتذاره إليك وعدت اليه بمعاشرته لك وبهذا تكون المراجعة صحيحة بالفعل والقول لأن الاعتذار هنا يقوم مقام المراجعة. *كنت في زيارة قريب فسمعت أحد الحاضرين يقول: إن الذبح في شهر رجب حرام لأن من يفعل ذلك بتشبه بأهل الجاهلية وذكر بعض الأحاديث التي تؤيد قوله ونريد أن نتأكد من صحة هذا القول؟ ** إن بعض الناس في زمننا هذا جعلوا من أنفسهم علماء وفقهاء وأصبح من لا يعلم يتكلم فيما لا يعلم ومن لا يعلم أصبح يدعي أنه يعلم وسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من أفتي بغير علم فقد ضل وأضل. وعلي الإنسان أن يفهم قوله أولا حتي لا يجعل الناس يعيشون في قلق. والذي يذبح في شهر رجب في العصر الجاهلي يسمي بالنيرة وذلك لأن العرب في الجاهلية إذا كانت لهم حاجة يرجون قضاءها قالوا: لئن ظفرنا بكذا لنذبحن كذا وكذا من النعم ولما جاء الإسلام وجد العرب يذبحون في شهر رمضان مايسمي بالنيرة أو الرجبية وكان ذلك في صدر الإسلام, لكن الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة ذهبوا الي أن حكمها منسوخ. واستدلوا علي ذلك بما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لا فرع ولا عنبرة, والفرع أول نتاج الإبل والغنم وكان أهل الجاهلية يذبحونه لآلهتهم ويتبركون به, واستدلوا أيضا بما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ونسخت الأضحية كل ذبح كان قبلها ونسخ غسل الجمعة كل غسل كان قبله, وقالوا إن السيدة عائشة لا يمكن أن تقول مثل هذا القول إلا عن علم تعلمته من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. واتفقوا علي أن النهي محمول علي نفي كونها سنة وليس علي الحرمة. ولهذا فمن ذبح في شهر رجب لمجرد الذبح لا إثم عليه ولا حرج لذلك لأن الذبح في أي وقت جائز. واستدلوا علي ذلك بما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن لقيط بن عامر أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال. إنا كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منها ونطعم منها من جاءنا فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا بأس. وقال عليه الصلاة والسلام. اذبحوا لله في أي شهر كان ومادامت الذبحة لله وتم الذبح علي حسب شرع الله فإن الذبح يكون حلالا في أي وقت من الأوقات. والله اسأل ان يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال انه سبحانه جل في علاه هو ولي ذلك والقادر عليه. استاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر