بعد أربع وعشرين يوما من تولي الرئيس محمد مرسي منصبه رسميا, تم تكليف هشام قنديل وزير الموارد المائية برئاسة الوزارة الاولي في عهد الرئيس المنتتخب. ويعد القرار مفاجأة بكل المقاييس, فالرجل لم يكن مطروحا في سوق الأسماء الكثيرة التي طرحت سواء من مصادر إخوانية أو غير إخوانية, حتي أن شخصية قيادية كبيرة بحجم د. عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة استخدم تعبير المفاجأة لوصف هذا الاختيار, ولكن للتدليل علي أن هذا الاختيار قد يؤدي إلي ردود فعل غير مستحبة من قبل كثيرين كانوا يطمحون في شغل المنصب. غير أن تعبير المفاجأة المستخدم يعني أن حزب الحرية والعدالة قد لا يكون مرتاحا لهذا الاختيار الصادم, الذي دلل علي أن الرئيس يريد أن يؤكد استقلاليته عن الحزب والجماعة معا. طبعا من حق الرئيس ان يختار من يراه الأصلح لتشكيل الحكومة التي ستكلف بتطبيق برنامج النهضة الذي انتخب الرئيس مرسي علي أساسه, ومن حقه وفقا لصلاحياته المنصوص عليها في الاعلان الدستوري أن يختار الوزراء أيضا. وفي هذا تأكيد علي أن الرئيس لديه الكثير من الصلاحيات الرئاسية التي تحتاج إلي تفعيل وتنشيط حتي تؤتي أكلها وليس إلي مصادمات او معارك بلا أساس. وبهذا أيضا تكون الحكومة المنتظر تشكيلها هي حكومة الرئيس مرسي وليس حكومة أي طرف آخر. ومن حق المصريين أن يراقبوا أداءها وأن ينتقدوا هذا الأداء إن تطلب الأمر ذلك, وأن يشجعوا هذا الأداء إن كان متماسكا ويستهدف مصلحة الوطن وليس مصلحة حزب أو جماعة بعينها. وهنا جوهر التحدي الذي ستواجهه الحكومة الجديدة, أو بعبارة اخري هل ستكون حكومة لخدمة المصريين جميعا, أم لخدمة وهيمنة طرف معين أو حزب محدد كما كان الوضع في ظل النظام السابق. ولعلها ستكون صدمة إيجابية بالفعل إن نجح رئيس الوزراء المكلف بالتعاون مع الرئيس والمؤسسات الرئيسية في الدولة في اختيار فريق عمل وزاري يتمتع بالسمعة الحسنة والكفاءة والضمير الوطني والحس الاجتماعي ووضوح الرؤية والعمل من اجل مصر وشعبها. ولا بأس أن يكون هناك وزراء من حزب الحرية والعدالة وآخرون من أحزاب أخري ويمثلونها رسميا ويتحملون تبعاتها أيضا إن سلبا أو إيجابا, شريطة ان تكون الكفاءة والتخصص هي المعيار الاساسي جنبا إلي جنب العمل من أجل المصريين جميعا, وإعلاء المصلحة العامة والابتعاد عن تحويل الوزارة إلي معمل اختبار لتغيير هوية الدولة المصرية أو فتح أبوابها لكي تخضع سياسيا لطرف بعينه. أو يتصور احدهم انه مستقل بوزارته يفعل فيها ما يريد. فكل هذه الممارسات ستعني إن حدثت_ ان الوزارة الاولي للرئيس المنتخب تقودها أهداف ذاتية محضة, ولا علاقة لها لا بنهضة مصر و لا بحقوق المصريين, وأنها جزء من خطة كبيرة وممتدة للهيمنة والسيطرة في وقت لم يعد فيه المصريون قابلون للخداع السياسي, وبالطبع لن يجعلوا أيا من هذه المخططات تمر أبدا. لكن يظل مثل هذا الحديث في إطار العموميات والمبادئ المتعارف عليها. بينما تأتي الطريقة التي تم بها هذا الاختيار لتعكس الأسلوب الذي سيعالج به الرئيس القضايا الكبري, وهو ما يمكن أن نطلق عليه أسلوب الصدمة, أو القرار الذي يفاجئ الجميع لأنه يجئ بدون مقدمات وأحيانا بدون مسوغات كافية. ورب قائل يشير إلي أن اختيار هشام قنديل رئيسا للوزراء جاء مناسبا للمعيار الأهم الذي أكد عليه الرئيس مرارا وهو معيار الاستقلال وعدم الانتماء إلي تيار بعينه, إضافة إلي الكفاءة في مجاله, وهذا صحيح إجمالا ولا غبار عليه, غير أن عنصر الاستقلالية هنا سيتعرض إلي اختبار قاس إذا كان مشروطا بقبول شخصية بوزن خيرت الشاطر نائبا لرئيس الوزراء او المسئول عن الملفات الاقتصادية. او ان تكون هناك وزارات بعينها لوزارء من حزب الحرية والعدالة بهدف الاستقلال بهذه الوزارات تحقيقا لخطة معينة. فوقتها سيكون واضحا ان رئيس الوزراء المكلف ليس سوي حاجب للمسئولية الحقيقية عن من يمسك بتلابيب العملية الاقتصادية في مصر, وفي الوقت نفسه سيكون متحملا تبعاتها أمام الناس. وتلك ازدواجية ممجوجة نأمل ألا يقع فيها أحد, وألا يكون اختيار وزير الري مجرد خطوة في هذا السياق. أسلوب الصدمة عرفناه من قبل في القرار المفاجئ بسحب قرار حل مجلس الشعب وعودته للعمل بغض النظر عن حكم المحكمة الدستورية العليا الذي أبطل انتخابات المجلس واعتبره في حكم المنعدم, وعرفناه أيضا في الحديث عن ثورة23 يوليو دون الاشارة إلي صاحبها التاريخي وهو جمال عبد الناصر مع التركيز علي سلبياتها في المجال الديموقراطي, وشهدناه في الحديث المرتجل في احتفال كلية الشرطة بتخريج إحدي دفعاتها ولم يكن الحفل مشتملا علي كلمة للرئيس. مثل أسلوب الصدمة قد ينفع في مرة أو مرتين, استنادا إلي أسباب قانونية وسياسية ومعنوية جوهرية, ولأسباب تتعلق بالتأكيد علي أن الرئيس يأخذ قراره بدون ضغوط من أحد بعد اقتناعه بأهمية هذه القرارات من أجل المصلحة العامة. أما إذا بات هذا الأسلوب منهجا في الفعل فسوف تضيع الشفافية وقد تأتي القرارات بعكس ما يرجي من ورائها.