تستوقفنا الأحداث عن غير توقع منا لأننا بالأساس جزء منها لا ننفك عن التفاعل معها. هذا ما يحدث الآن مع قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب. وسط المؤيد والمعارض لهذا القرار يقف المواطن العادي في مهب رياح الإعلام الذي يعرض وجهات نظر متباينة بل متضادة عن صلاحية رئيس الجمهورية في اتخاذ القرار وهو طرح مفيد حيث يضع القرار في موضعه الصحيح فصلاحية رئيس الجمهورية المنتخب أعلي بالقطع من صلاحية أي جهة آلت إليها تلك الصلاحيات مؤقتا فبوجود الفاعل الأصلي يكون عليه لزاما مراجعة قرارات السلطة المؤقتة. هذا الطرح بات غائبا عن كثير من التحليلات إضافة إلي أن قرار حل المجلس بالأساس قد شابه العوار حيث ان حكم المحكمة الدستورية والخاص بآلية انتخاب المقاعد الفردية لاينسحب علي بقية المجلس وهو ابتداء حكم ليس بواجب التنفيذ من تلقاء نفسه وإلا لما أصدر المجلس العسكري قرارا بحله, كما أن الحكم لا يضع توقيتا للتنفيذ ولهذا فإن السلطة الحاكمة آنذاك تكون في مواءماتها للظرف السياسي بحل مجلس الشعب وبالتالي تكليف المجلس العسكري بالقيام بأعمال السلطة التشريعية قد حادت عن مسار تدعيم المؤسسات, خاصة وأنها كانت طرفا أصيلا في الاتفاق الذي تم علي أساسه السماح للأحزاب بالترشح علي المقاعد الفردية وهو سند حكم المحكمة الدستورية. وأيا ما كانت مبررات قرار حل المجلس فإن تغير الظرف السياسي يتيح تغيير القرار وبالتالي إعادة السلطة التشريعية المنتخبة لممارسة عملها في التشريع والرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية وهو أمر من غير المعقول أن تقوم به أي جهة غير مجلس الشعب. النقطة الأخري في الأمر هي دفع مؤسسات الدولة للقيام بعملها علي أساس مؤسسي بصورة أقرب للصواب, فمن المنطقي ألا تتعطل أعمال سلطة الرقابة علي أداء السلطة التنفيذية إضافة إلي سلطة التشريع عن مواجهة تحديات مرحلة تنشد الاستقرار, وفي هذا إشارة صريحة إلي قيام كل مؤسسة بدورها الطبيعي الذي هو سند قيامها بما فيها المجلس العسكري الذي قام بعبء الدفع بالأمور إلي حالة الاستقرار المبني علي الشرعية لحين انتقال الحكم لرئيس مدني. هذا الأمر الذي يحسب للمجلس العسكري يجري الآن تشويهه بالدعوة من البعض إلي الانقلاب علي رئيس الجمهورية, في محاولة لإعادة مسلسل الجزائر وهو أمر لا أعتقد أن المجلس سيلقي له بالا. تلك الدعوة في حد ذاتها ذات دلالة مهمة عن عمق كراهية الداعين إليها لقيام دولة مؤسسات بطريقة ديمقراطية إن أتت علي غير رغباتهم وتبقي تلك المواقف برمتها حصيلة مهمة في الذاكرة الجمعية لتكشف مواقف من يدعي الديمقراطية عمن يعاديها! تبقي نقطة الممارسة النيابية السابقةوالرغبة في تحسينها والتركيز علي الأهم قبل المهم حيث شاب ممارسات أعضاء مجلس الشعب في أعماله السابقة بعض التجاوزات في الأداء وفي السلوك التي يجب أن ينتبه الأعضاء إليها, فلم تكن ممارستهم علي مستوي التوقع حيث لم يلتفت المجلس إلي قوانين هيكلة المجتمع بصورة مانعة للفساد والطغيان, كما لم ينتبه إلي آليات المشاركة الشعبية في مؤسسة الحكم. القضية تحتاج إلي إعادة ترتيب للأوراق عسي أن يكون في محاولة إعادة سلطات مؤسسات الدولة إلي من كلفهم بها الشعب خطوة موجبة للأمام!