[من عجوز القارة السمراء إلي مستر مارلبور الأعور] كانت مالي تعد نموذجا للديمقراطية في افريقيا ثم ما لبثت ان انزلقت الي حالة من الفوضي, وبات البلد مقسما وعرضه لتدخلات خارجية لن تمر بسلام, ولا يتوقع ان ينتهي اثرها عند هذا الحد. فما الذي حدث وهل الطرق الي الديمقراطية في القارة السمراء يبدو مسدودا ويؤدي فقط الي حالة من الفوضي فبعد ان اطاح العسكريون برئيس الدولة أمادو توري في مارس الماضي حدث فراغ في السلطة مكن متمردي الطوارق في الشمال من السيطرة علي نحو ثلثي البلاد بمساعدة مقاتلين اسلاميين اطلقوا علي انفسهم اسم جماعة انصار الدين وشيئا فشيئا بدأ التمرد والأزمة يأخذان طابعا اسلاميا سياسيا حيث شمل مجموعات من الاسلاميين في داخل مالي ومن الوافدين إليها سواء من دول الجوار أو من افغانستان وباكستان ومايسمي بمطاريد تنظيم القاعدة الأمر الذي أثار اهتمام الغرب الذي اثار مخاوف بشأن تحول مالي الي افغانستان الغرب الافريقي صحيح ان الانقلابات العسكرية في بلدان القارة الافريقية هي من الأمور المرحب بها عادة لدي الغرب خاصة اذا صبت الصراعات في صالحه, وأمنت عمليات النهب المنظم لثروات القارة السمراء من البترول والألماس والذهب وغيرها ولكن الأمر يختلف هذه المرة, فالعنوان هو تنظيم القاعدةوكان تحرك الغرب هنا عبر مجلس الأمن الدولي ليأخذ الأمر البعد القانوني المطلوب ورفع شعار مايسمي بالحرب علي الارهاب طالما وجد تنظيم القاعدة في صدارة المشهد. وفي هذا السياق ينتظر أن تتم المعالجة عبر الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة الذي يسمح ويفوض باتخاذ اجراءات بدءا من العقوبات وانتهاء بالتدخل العسكري مع استخدام قوات من الاتحاد الافريقي علي الارض. ملاذ آمن ويبدو ان الاسلاميين الافضل تسليحا استغلوا كفاح متمردي الطوارق الطويل من اجل اقامة وطن مستقل وأسسوا ملاذا آمنا لهم في منطقة الصحراء وهو ما اعتبره البعض مرحلة مبكرة من نموذج افغانستان والصوال. ويسيطر المتمردون حاليا علي ثلاثة مدارج رئيسية للطائرات في الشمال بالقرب من بلدات جاو, وتمبكتو وتساليت حيث يمكنهم نقل اي شيء بداية من المخدرات ووصولا الي الاسلحة والمقاتلين الأجانب في ظل غياب قوة جوية عاملة في مالي. وتمثل منطقتا الصحراء الكبري والساحل بيئة خصبة لنمو نشاط تنظيم القاعدة خاصة بعد انتقال نشاط القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي إليها اثر حملات أمنية في الجزائر والمغرب وموريتانيا فضلا عن الفراغ الأمني والحدودي بين بلدان تلك المنطقة خاصة منطقة الحدود مع ليبيا في اعقاب سقوط نظام القذافي والانتشار المروع للسلاح. ومنذ اللحظة الأولي التي سقطت فيها القوات الحكومية في مالي في أول ابريل الماضي ظهرت علي الساحة جماعات مختلفة للمرة الأولي, وأعلنت علي الفور ولاءها للقاعدة ولجماعات منشقة عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي مثل حركة الوحدة والجهادفي غرب افريقيا وبعض أعضاء منظمة بوكو حرام الاسلامية في نيجيريا. وبات لافتا مع سيطرة قوات المتمردين من الحركة الوطنية لتحرير ازواد وهي حركة علمانية علي بلدات كبيرة مثل مدينة تمبكتو القديمة, ان تحالفا من نوع آخر قام مع حركة إسلامية تشكلت حديثا وتعرف باسم انصار الدين وتهدف الي تطبيق الشريعة الاسلامية في مختلف أنحاء مالي. وزعيم تلك الحركة هو اياد أغ غالي الذي وصفته برقية دبلوماسية أمريكية مسربة بأنه صانع القرار السياسي في شمال مالي بلا منازع وخلال نشاطه في شمال مالي علي مدي عقدين قاد أغ غالي تمردين سابقين للطوارق, وتولي في السابق مهمة دبلوماسي في السعودية كما تولي منصبا دبلوماسيا خر في مالي ولعب دور الوسيط في صفقات تحرير رهائن مع خلايا القاعدة وطبقا لرويترز فان أغ غالي يحمل الآن اسما حركيا داخل تنظيم القاعدة وهو أبو الفضل. ومع استقرار الأمور نسبيا في شمال مالي لحركة انصار الدين بدأت معركة تطبيق الشريعة لتصبح علي المحك, بعد ان ظهر شعور بالضيق علي سكان المنطقة الذين يتبعون منذ زمن بعيد نهجا إسلاميا أكثر تحررا. وقد ظهرت في المنطقة مؤخرامشاهد أثارت استياء السكان, من بينها الفصل بين الجنسين في المدارس وجلد اشخاص لشربهم الخمور والتدخين وحظر كرة القدم وفرض قيود علي مشاهدة التليفزيون. وانسجاما مع رفض شعبي لأسلوب أنصار الدين في تطبيق الشريعة, بدأت تظهر علي السطح جماعات مسلحة تعلن عزمها طرد الإسلاميين من شمال مالي وتحديدا من تمبوكتو, إحدي كبري مدن الشمال والتي تتمتع بتراث ثقافي وديني استثنائي, لاسيما وأنها مدرجة علي لائحة اليونسكو للتراث. ولم تلبث الأمور أن هدأت قليلا, حتي دبت الخلافات بين حليفي الأمس المتمردين الطوارق وحركة أنصار الدين, الأمر الذي حال دون تنفيذ مشروع للاندماج بينهما لإنشاء دولة إسلامية في شمالي مالي, وذلك بعد أيام من توقيع اتفاق مبدئي لتأسيسها. وتحدثت حركة أنصار الدين عن ضرورة تطبيق الشريعة بحذافيرها إضافة إلي منع المنظمات الإنسانية غير المسلمة من دخول الشمال, وهي إضافات لم تكن واردة في بروتوكول الاتفاق المقترح بين الجانبين. وتؤكد حركة أنصار الدين أنها تخوض حربا ضد الاستقلال و من أجل السلام وفرض الشريعة, متصدية لمن تسميهم الاستقلاليين الطوارق. وفي هذا السياق يقول الزعيم العسكري لأنصار الإسلام عمر حاماها حربنا جهاد وحرب شرعية باسم الإسلام ونحن ضد حركات التمرد وضد كل الثورات التي ليست باسم الإسلام. كما قال الاستقلال هو الاسلام, إنه ممارسة الشريعة من الفجر الي المغيب. ويشار هنا إلي تقارير تتحدث عن وجود عدد من كبار قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في تمبكتو بينهم الجزائري مختار بالمختار المقاتل الإسلامي المعروف الملقب ب الأعور بعد أن فقد عينه في القتال في أفغانستان في التسعينيات, أو مستر مارلبورو لضلوعه في تهريب السجائر. في المقابل رفض الطوارق ما اعتبروه محاولة لتذويبهم داخل الحركة الدينية, وشددوا علي ضرورة إقامة دولة علمانية مستقلة في الشمال خاصة في منطقة تمبكتو. وتبدو معاناة سكان تمبكتو من هذا الصراع آخذة في التزايد, فسكان تمبكتو عبارة عن خليط من العرب والأمازيج الطوارق. وقد سميت علي اسم عجوز من الطورق القدامي اسمهابكتو حسب روايات تاريخية تقول: إن تمبكتو, التي أسست في القرن ال12 الميلادي, كانت ممرات للتجارة والرحل والطوارق, وكانت بها عجوز اسمها بكتو يتركون عندها بعض أغراضهم أمانات إلي أن يعودوا, فاشتهر المكان عندهم بعبارة تين بكتو و تين لفظ أمازيجي يفيد الملكية أو النسبة أو الانتماء, وبإضافته إلي بكتو, يكون معني تين بكتو, المكان الذي تملكه بكتو, أو البلدة لتي تنتمي إليها بكتو, وهكذا تطورت التسمية حتي صارت تمبكتو. وإذا كان الطوارق قد سموا تمبكتو بهذا الاسم لارتباطها عندهم بعجوز كانت تحفظ لهم أماناتهم كما تقول الرواية التاريخية, فإن بعض القواميس الإنجليزية أضفت علي الكلمة معني يعكس ما كان يعتقده الأوروبيون والغربيون عموما عن هذه المدينة, فهي تعرف تمبكتو بأنها أبعد مكان. وفي هذا المكان الأبعد, يعتقد بأن لدي الإسلاميين موارد أفضل وعتادا عسكريا أكثر من المتمردين والطوارق وهو ما وفر لهم فرصة تهميش الحركة الوطنية لتحرير أزواد بدأت تفكر في اتفاق ما لتقاسم السلطة في الشمال مع حركة أنصار الدين التي تقول إن الشريعة نقطة غير قابلة للتفاوض, وهو مافجر مواجهات أخيرة بين الطرفين. ونقلت تقارير عن سكان تمبكتو أن الإسلاميين الذين ينتمون إلي فصيل أنصار الدين أبلغوا محطات الإذاعة المحلية بالتوقف عن إذاعة الموسيقي الأجنبية, كما طالبوا النساء عبر الإذاعة بارتداء الفساتين بدلا من البنطلونات. أما في الجنوب. فتبدو الحكومة غارقة حتي أذنيها بعملية انتقال غير مأمونة إلي الحكم المدني بعد انفلات22 مارس, بينما لا يزال الجيش يعاني من أثار هزائم عسكرية علي أيدي المتمردين, وهو ما يؤشر علي صعوبة استعادة الشمال إلي حظيرة الدولة في المدي القريب, ليبقي الغرب وتنظيم القاعدة في صدارة العناوين.