في أوائل يناير2011 م جاءت الدعوة الكريمة من المهندس ياسر سيف لحضور صالونه الثقافي الراقي الذي يعقد بالإسكندرية, كان عنوان هذا الاجتماع متسقا مع الأحداث الجارية وقتها مصر بعد انتخابات2010 والمقصود طبعا انتخابات مجلس الشعب. كانت الرياح في ذلك اليوم عاصفة, والأمطار غزيرة, تنهمر علي الإسكندرية بشكل مكثف, وكأن الطبيعة أبت إلا أن تشارك بطريقتها في الإعلان عن غضبتها لممارسات مؤسفة جرت في تلك الانتخابات البرلمانية التي زورت جهارا نهارا فأطاحت بمصداقية نظام حاول أن يوهم الناس بأنهم يعيشون أزهي عصور الديمقراطية!! عنوان اللقاء فرض رغم توخي المتحدث الرئيسي الموضوعية والتحليل العلمي ظلا سياسيا علي النقاش, وتساءل الحاضرون الذين يمثلون نخبة من المفكرين والكتاب وأساتذة الجامعات والمهنيين المهتمين بالشأن العام ما هي وسائل التعبير والتغيير الإصلاح المتاحة إذن؟ وكيف السبيل إذا ضاقت مساحات الرأي والكلام وتضاءلت سبل التبديل والتطوير وانعدمت فرص تداول السلطة؟ وهل ما جري من تزوير لإرادة الناس وإهدار لاختياراتهم هو دعوة صريحة للثورة والعنف؟ أثق ان حديثنا الثقافي( أو السياسي) كان مرصودا لأكثر من جهة, ولكن حديثنا وحديث غيرنا من الناس قوبل باستخفاف شديد تمثل في الإشارة المتعالية المتعجرفة خليهم يتسلوا لتكشف عن انفصام رهيب بين ما يغلي في صدور الناس وبين ما يشعر به الحكام من استعلاء واستقواء. قبل أن ينقضي شهر( يناير2011 م) شهدت في الجمعة الأخيرة منه أمواجا هائلة من البشر تهتف في شوارع الإسكندرية ومصر كلها الشعب يريد إسقاط النظام, الأمر تجاوز حدود التسلية إذن. وفي مساء نفس اليوم, اشتعلت الحرائق في أرجاء الإسكندرية ومصر كلها, واحترق مبني محافظة الإسكندرية, التسلية قلبت بجد, والأمر أصبح خطيرا بعدها بنحو اسبوعين تنحي رئيس الجمهورية, وسقط رأس النظام وتحولت التسلية والهزار إلي جد جدا. مرت علي الناس أحداث جسام, أبعد ما تكون عن التسلية, ودارت مرحلة انتقالية قلقة, تناحرت فيها قوي متنافرة بعضها تدثر برداء الدين, وبعضها تماسك وتضافر ليدافع عن سلطان زائل وجاه مفقود ومال منهوب, وبعضها استمسك بأهداب الثورة وإن استسلم لبركان الغضب والجنوح ووقع الناس في مكائد الفرقة والشقاق, وتاهوا في المشهد المضطرب, وحادوا عن طريق البناء, فلم يتوافر لهم العيش أو الحرية التي حلموا بها, ولم تتحقق العدالة الاجتماعية التي ثاروا من اجلها, وانقلب الجد إلي غم وهم في كثير من الأحيان, وتحير الناس فيما يجري, ؟أهو بفعل فاعل شرير أم بسبب خبرة منقوصة. تمر الأيام والشهور ليستمع من تهكم علي شعبه بالإشارة المتعالية خليهم يتسلوا من داخل القفص في قاعة المحكمة إلي كلمات القاضي وهو يتحدث عن الشعب الذي تنفس الصعداء بعد أن تعرض ثلاثين عاما لكابوس ليل مظلم أسود أسود أسود, فخرج من تلحفوا بالأرض وشربوا من مياه المستنقعات وعدموا فرصة عمل ينتشلهم من هوة الفقر السحيق منادين سلمية سلمية وقد كواهم تردي حال بلدهم ووطنهم مصر العزيزة, وتساءل: ماذا جري لك يا مصر يا من ذكرت في الكتاب ادخلوها بسلام امنين وينطق القاضي بحكمه, حكمت المحكمة بمعاقبة محمد حسني السيد مبارك بالسجن المؤبد عما أسند اليه من الاتهام بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات القتل, والشروع في أخري موضوع الاتهام المسند اليه في أمر الإحالة. وأسدل الستار علي فصل من مأساة إنسانية فيها كل العبر, فاقت الأساطير الإغريقية القديمة, واشتملت علي كل عناصر التسليح السوداء, فهذا رئيس صعد إلي عنان السماء, لديه السلطة والقوة والجاه تكبر وتجبر واستخف بقومه, واستكثر عليهم مجرد الكلام في برلمان مواز, فخلاهم يتسلوا ليصبح هو تسليتهم في نهاية المطاف اللهم لا شماتة, جلت حكمتك, وعلت قدرتك, أرتل كلماتك خاشعا قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير. أملنا أن يسدل الستار نهائيا علي عصر الاستخفاف وزمن التسلية, ونلتفت إلي إعادة البناء لمؤسسات الدولة الجديدة, ونشهد انتخابات رئاسية نزيهة, لنحافظ علي ثورة عظيمة قام بها الشعب المصري بكل أطيافه, نحميها ممن حاول التهوين من شأنها, ونحرسها ممن تأمر علي اختطافها, سندافع عن جذوتها ونحتضن شبابها الناهض, فهم الرجاء والأمل, لهم سينحاز الزمن وبهم سيضئ المستقبل. جامعة الإسكندرية