جاء المسؤول الكبير لزيارة المدرسة, دخل أحد الفصول, وتحدث حديثا سياسيا توعويا, وأبدي استعداده للإجابة علي أسئلة التلاميذ, رفع تامر يده وقال لدي ثلاثة أسئلة: أولها إنكم وعدتم بتسليم السلطة في غضون ستة أشهر. فلماذا لم يحدث وقد مضي ستة عشر شهرا؟ والثاني إنكم وعدتم بعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية, فلماذا تستمر المحاكمات العسكرية للمدنيين؟ والثالث إنكم وعدتم بتحسن أحوال الناس المعيشية, فلماذا تدهورت الأحوال الاقتصادية؟ وهنا ضرب جرس الفسحة, فوعد المسؤول التلاميذ باستكمال النقاش بعد عودتهم من الفسحة. وحين انتظم جلوسهم في الفصل من جديد, سألهم ما إذا كان هناك من يرغب في السؤال, رفع تلميذ آخر يده وقال لدي خمسة أسئلة, وكرر الأسئلة الثلاثة التي سألها تامر وأضاف إليها السؤال الرابع يا سيدي, لماذا ضرب جرس الفسحة قبل موعده بربع ساعة؟ أما السؤال الخامس فهو أين تامر!؟ قد تكون لهذه الدعابة, ثقيلة أو خفيفة, دلالاتها المتنوعة, المنصفة أو غير المنصفة, ولكن دلالتها الكبري عندي أن من حكاها لي صدق أو لا تصدق طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره, بل ووضعها علي حسابه في الفيسبوك!! هذا جيل جديد كسر جدار الصمت, ونفض غبار الخوف, وهب مدافعا عن حلمه بوطن حر ومستقبل آمن. هذا الجيل الجديد هو الرجاء والأمل في وقت الكابوس والكآبة, يأتيك بالبسمة رغم الغضب المحتدم في الصدور, ويشيع في نفسك التفاؤل رغم البوم الذي ينعق من حولك. المشهد عبثي بامتياز, والكل ينهش لحم الوطن بينما يتغني بحب الوطن علي أنغام نشيد حماسي. كتبنا من قبل ايا عزيزي كلنا خاسرون, وحدث ما توقعناه, فقد خسر الجميع. يسألون من المسؤول وكلهم مسؤولون عن الخسارة. في مصر قامت ثورة شعبية عظيمة. خرج الشعب يريد إسقاط النظام, ويطالب بالعيش والكرامة والعدل, سقط رأس النظام رغم حصونه الأمنية المنيعة, وخرج الضابط العظيم يؤدي التحية العسكرية لشهداء التحرير, فكان الهتاف إيد واحدة. وتحركت أذناب النظام لتطعن الشعب من الخلف لينفض عن الثورة ويكفر بها, فأشاعوا الفوضي والترويع, وتآمروا علي طلائع الشباب والنشطاء والمثقفين الذين تعرضوا لخنق الأنفاس وفقئ لأعين وتكسير العظام فضلا عن الاغتيال المعنوي, وتعرضت البنات للسحل والضرب, وتعرض البسطاء من الناس لتزييف الوعي والتخويف وإثارة البلبلة. وتحول من حمي التحرير ليحمي روكسي وبالآسفين يا ريس, بل جاء بالعباسية, وتحول الهتاف إلي يسقط يسقط!! فهو مسؤول عن مشهد اليوم. ووقف الفصيل الذي خلصه التحرير من أسره وسجنه, ليتحصن بجماعته بدلا من أن يلتحم بالشباب الثائر, ويضع الكراسي والسلطة نصب عينيه, وتحول عن التحرير والعباسية ليذهب إلي ميدان الأزهر, فشهدنا مصر الحزينة مقسمة بين الميادين والصفقات, فهو مسؤول عن مشهد اليوم وعليه أن يعود إلي حضن الثورة. انقسم الثوار علي بعضهم البعض, وكان يمكنهم الالتفاف حول رموز شبابية ناصعة, ولكنهم تناحروا, واستجابوا لمؤامرات الفرقة, فتجد الحركة الواحدة ولها أكثر من متحدث وممثل, فهم مسؤولون عن مشهد اليوم. خضنا مرحلة انتقالية مؤسفة, وجرت فيها استفتاءات وانتخابات برلمانية وأخيرا وبشق الأنفس انتخابات رئاسية, واختار الناس بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي, وبين رموز النظام السابق, وبين المنتمين للثورة والمدافعين عنها. وجاءت نتيجة الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية لتكتمل الصورة العبثية, فقد أحجم أكثر من نصف الناخبين عن التوجه إلي صناديق الاقتراع في الجولة الأولي, ولكن مرشحي الثورة حصدوا أغلبية الأصوات حيث رفضت الأغلبية التصويت للنظام السابق أو حزب الجماعة, فذهبت معظم أصوات الناخبين للمرشحين المنتمين للتحرير, ولكنها توزعت عليهم وهم مجموعة كبيرة فتشتتت الأصوات وتفتت, ولم يصل أي منهم لجولة الإعادة. وتلك هي الأزمة التي يعيشها أغلبية الناخبين التي لم تعط صوتها لمرشح حزب الجماعة أو رموز النظام السابق في الجولة الأولي. يخاف الناس من إعطاء أصواتهم لدولة دينية لا تعرف معني المواطنة أو تداول السلطة, وتقسم المواطنين إلي مؤمنين وكفار, ويزكي خوفهم ممارسات عديدة, منها تشكيل الجمعية التأسيسية, ومنها تصريحات عجيبة. فهل يقبل الناس بالهيمنة المنفردة لجماعة الإخوان علي مقدرات مصر؟ أم يكون البديل هو القبول بعودة نظام الفساد والاستبداد والبطش الأمني, ويعزز خوفهم خطاب تهديد باستخدام الجيش في قمع التحرير استحضارا لصورة القذافي والأسد!! المأزق الحالي صنعته كل الأطرف, بأنانية مفرطة, أو بحثا عن الزعامات, وأضواء برامج الثرثرة, وشهوة عارمة للمناصب والحكم, والحيرة التي يعيشها نصف المصريين الذين لم يذهبوا للاقتراع, بالإضافة إلي نصف من ذهبوا لصناديق الاقتراع تتمثل في اختيار مرشح لم يختاروه في الجولة الأولي. تلك الحيرة لن يحسمها إلا برنامج شامل, وتخطيط واضح, وخطاب صادق, واعتراف صريح بالخطابا والأخطاء, وبيان بكيفية التعاون والمصالحة. سيكون رهاني علي الجيل الجديد ولا أحد غيره, فلا وقت للبكاء, أو المساءلة, كلكم تبكون, فمن الذي سرق المصحف؟ كلكم تبكون, فمن الذي سرق الثورة؟ جامعة الإسكندرية