شاء القدر ان تتزامن الانتخابات الرئاسية في مصر مع تلك التي تمت في فرنسا مطلع الشهر وكان بطل هذه الانتخابات هو التغيير لكنهما يختلفان في كل شيء. تميزت الانتخابات الفرنسية بعمق وسخونة المنافسة بين عشرة مرشحين, من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار, جميعهم خريجو المدرسة العليا للادارة وهي المرجع لتأهيل رجالات الدولة في فرنسا والضامن لتمتعهم بمستوي عال من الثقافة والدراية بشئون السياسة الدولية, وهي سر تمتع جميع الزعماء ورؤساء الحكومات الفرنسية بالعلم والخبرة. فهل تتوجه فرنسا نحو التقشف الذي يروج له ساركوزي أم النمو الذي يروج له هولاند, وبرزت قضايا البطالة والمهاجرين والعلاقات الأوروبية, لم تخل تصريحات المرشحين من الاحصائيات والارقام, وكيف لا والمرشحون يواجهون ليس فقط بمواطنين ذوي مستوي عال من الفكر والثقافة ولكن أيضا بجيوش من مراكز البحث التي تحلل وتفند وعودهم وتقيس الجدية والجدوي. نتائج الانتخابات خرجت عن التقليدية ولأول مرة لا يأتي الرئيس علي رأس الجولة الأولي وبل ومن المرات النادرة التي خرج فيها رئيس بعد دورة واحدة. فوز هولاند بفارق ضئيل جدا لا يأتي فقط ترجمة لرغبه الكثيرين في التغيير ولكن لتراكم أخطاء ساركوزي خاصة أن الفرنسيين لم يغفروا له وضعه اصدقاءه في كل المناصب المهمة في الدولة وتحويلها لعزبة! في المقابل ترشح للانتخابات المصرية, الاولي بعد الثورة, مجموعة شخصيات لا يمتلك معظمهم مؤهلات وخبرات رجل الدولة, مثل الغالبية شخصهم فليس لهم احزاب قوية تساندهم, فيما عدا مرشحي الاخوان الذين تقف الجماعة خلفهم, سيطر علي أدائهم أسلوب خطابي ديماغوجي, خرجت أهداف ثورة25 يناير عن القضايا المطروحة, فركزت حملات الاخوان علي الماضي وخطايا مبارك وتطبيق الشريعة وتحويل مصر لدولة إسلامية, وعلي العدو الاسرائيلي وإلغاء معاهدة السلام, بينما ركز مرشحو الفلول علي هواجس الانفلات الامني وانزلاق مصر نحو الإرهاب, والبقية رددوا كلاما مرسلا دون محتوي,, أحد مرشحي الإخوان وعد بصرف25% من ميزانية الدولة علي التعليم ومثلها علي الصحة( وهو وعد غير واقعي), نفس المرشح خلط بين الضرائب والدعم. ولوحظ إهمال الجانب الاقتصادي وعدم الخوض في تفاصيل محددة تقلص عجز الموازنة وكيفية سداد الديون والخصخصة والدعم, لم نسمع عن قضية مياه النيل او العلاقات الإفريقية والخليجية, وهي موضوعات خطيرة علي مستقبل الدولة. بدت المقارنة ظالمة بين ممارسة الديمقراطية في فرنسا, وبين تجربة الانتخابات في مصر التي تعود لمائة واربعين سنة حين أسست برلمانها عام1881, تاريخ الديمقراطية الطويل في مصر لم يسمح بتطورها, فالتزوير الدائم وتغيير القوانين والأصول وخلط الدين بالسياسة لم تسمح بتراكم خبرة واضحة لدي المترشحين ولا الناخبين, وحتي الاعلام ظهر منحازا وضعيفا وبدت لقاءات المرشحين وكأنهم في مباراة خطابية خاصة حين يصفق الجمهور. في الديمقراطية وممارستها الصحيحة تسيطر قضايا الوطن علي الانتخابات الرئاسية, ويرتبط قرار الناخب بالاوضاع الراهنة والتحديات المستقبلية, ومدي قدرة المترشح القائد علي النهوض بوعوده, بعض من هذه السمات ظهر في مصر حاليا,كلنا سعداء بالتجربة الأولي علي الرغم من الكثير من القصور. ونتمني أن ينتخب الشعب رئيسا يخرج مصر من أزمتها الخطيرة وعلي الناخبين توخي الحذر والبحث عن رجل دولة له خبرة وبرنامج حقيقي ذو مصداقية علمية وعملية, رجل يعيد لمصر مكانتها, رجل لكل المصريين.