في ركن منعزل بالمنزل, وبعيدا عن عيني جلاده, جلس الطفل علي ذو السنوات الخمس يبكي ويصرخ وحده مهموما مكسور الخاطر, بعد أن ذبلت ملامحه وتبدلت. بحيث أصبحت لا تحمل براءة الطفولة الجميلة التي تختفي وتتلاشي أمامها الأحزان, لما يلاقيه من العذاب علي يد وحش قلبه لا يعرف الرحمة, ولا الشفقة, في مواجهة طفل ضعيف مقهور لا حول ولا قوة له, دأب المفتري علي الاعتداء عليه بوحشية بالضرب والتعذيب يوميا هو ووالدته, بعد أن كتب عليهما القدر أن يعيشا معه تحت سقف واحد. فقد تزوجت سهير عقب طلاقها من زوجها الأول والد الطفل بسبب الفقر, وضيق ذات اليد, لكن حظها العاثر أوقعها وابنها في قبضة سائق ميكروباص مدمن مخدرات, اعتاد قضاء السهرات الحمراء مع أصدقاء السوء, يتناول خلالها الخمور والحشيش والاقراص المخدرة, وتراكمت عليه الديون, وهنا سول له الشيطان من رفاق السوء إجبار زوجته علي العمل لتساعده في سداد ديونه حتي يتخلص من شبح السجن الذي بات يطارده ليل نهار بسبب مطاردة الدائنين له. وعندما كان الطفل يبكي من شدة الجوع, نظرا لغياب والدته عن المنزل لساعات كثيرة, كان المتهم ينهال عليه بالضرب, وعندما كانت أمه تتدخل كان يضربها ويسلبها كل ما معها من أموال, وقد تجرد من كل مشاعر الإنسانية والرحمة بعد أن سولت له نفسه المريضة تعذيب الطفل ابن زوجته بالضرب, والكي بالنار, والصعق بالكهرباء. وأمام سلبية الأم وخوفها منه, تمادي الزوج في تعذيب الصغير حتي دفع الطفل المسكين حياته ثمنا لخوف أمه وإهمالها, وجبروت زوجها الذي قام بتكبيله بالحبال وظل يضربه بالخرطوم حتي لفظ أنفاسه الأخيرة. كانت عقارب الساعة تشير إلي العاشرة مساء حينما دخلت سيدة في بداية العقد الثالث من عمرها إلي قسم الاستقبال بمستشفي بولاق الدكرور العام وبين يديها طفل صغير علي وجهه البريء حروق, وكدمات بالرأس والبطن, وفاقد الوعي.. التف الأطباء حولها وعلي وجوههم علامات الذهول مما عاناه الملاك الصغير, وتعلقت نظراتهم بتلك السيدة التي أتت به إلي المستشفي, فقد كانت تقف في ركن حجرة الاستقبال وتبدو عليها علامات الخوف والتوتر, ومن هنا أدرك الأطباء أن وراء هذه الحروق والكدمات جريمة تعذيب بشعة, وعندما رأت الأم نظرات اللوم في عيون الأطباء خشيت أن ينكشف المستور وحاولت مغافلتهم والهرب إلي زوجها المتهم الرئيسي, إلا أنهم احتجزوها, وعلي الفور اتصل الأطباء بالشرطة وتم القبض عليها داخل المستشفي. وكان اللواء أحمد الناغي مساعد أول الوزير لأمن الجيزة قد تلقي إخطارا من اللواء محمود فاروق مدير المباحث بورود إشارة من مستشفي بولاق العام بوصول طفل يدعي علي 5 سنوات جثة هامدة ومصابا بحروق وكدمات وسحجات متفرقة بالجسد, وبسؤال والدته قررت سقوطه من أعلي سلم العقار الذي تسكن به, فلم يقتنع مدير المباحث بأقوالها, وتم تشكيل فريق بحث بقيادة العميد مجدي عبدالعال رئيس مباحث قطاع أكتوبر. وقد تبين من تحريات العقيد حسام فوزي مفتش مباحث شمال أكتوبر, والمقدم ضياء الدين رفعت رئيس مباحث كرداسة أن زوج والدة الطفل حبسه في غرفة عدة أيام وضربه بخرطوم المياه, وصعقه بالكهرباء, ومنع عنه الطعام والشراب حتي فارق الحياة, وذلك بسبب كثرة بكائه وتبوله اللاإرادي, وبمواجهة والدة الطفل المجني عليه انهارت واعترفت بأنها بعد طلاقها من زوجها والد الطفل, تزوجت من المتهم برجوان سائق ميكروباص منذ6 أشهر, وأخذت ابنها ليعيش معها, لكنها فوجئت بزوجها الجديد يقوم بالتعدي علي ابنها بالضرب باستمرار, وقالت إنه في يوم الجريمة ظل يعذبه ويضربه حتي فارق الحياة, وطلب منها الذهاب به إلي المستشفي لتوهم الأطباء بسقوطه من أعلي السلم, بينما لاذ هو بالفرار.