ردا علي تركيز عدد من الأفلام الألمانية علي أعضاء منظمة الجيش الأحمر اليسارية المتطرفة, جاء فيلم مقديشو, ليتحدث بلسان الضحايا وأهاليهم, وعن المعاناة التي تعرضوا لها خلال العمليات الإرهابية, التي قام بها هذا التنظيم. اهتمت السينما في ألمانيا بشكل كبير بالفترة التي عرفت باسم الخريف الألماني , وهي الفترة التي عاني فيها المجتمع الألماني بجميع أطيافه من إرهاب تنظيم الجيش الأحمر, الذي كان وراء عدد من العمليات الإرهابية من اختطاف واغتيال لمسئولين ألمان بارزين واختطاف طائرات, بلغ أوجه في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وفي هذا السياق, مع خروج فيلم مقديشو, للمخرج الألماني رولاندس ريشتار الذي يتحدث عن حادث اختطاف طائرة لاندليس هوت التابعة لشركة خطوط لوفتهانزا الألمانية عام1977 إلي مطار مقديشو, تدخل السينما الألمانية مرحلة معالجة فترة الإرهاب الأسود في فترة ما قبل توحيد ألمانيا بعد سقوط حائط برلين بمنظور جديد منظور الضحايا. فعلي عكس حال الأفلام التي تناولت هذه الحقبة المؤلمة من التاريخ الألماني, والتي سلطت الضوء فقط علي أعضاء ومؤسسي هذ التنظيم كفيلم بادر ما ينهوف, الذي واجه أخيرا انتقادات جمة, كونه تعاطف مع قادة الجيل الأول للتنظيم من دون الاكتراث بمعاناة الضحايا, يعالج فيلم مقديشو المعاناة التي تعرض لها الضحايا وعائلاتهم. وحافظت السينما الألمانية منذ سبعينيات القرن الماضي علي تقليدها في التركيز علي الإرهابيين وزعماء الجماعات المسلحة, وذلك علي حساب الضحايا, حيث لم تخرج الأفلام التي عرضت في السنوات الأخيرة عن تلك القاعدة, كفيلم الصمت بعد إطلاق الرصاص والأمن الداخلي وفيلم بادر ماينهوف للمخرج أولي إيدل, الذي كشف عن تفاصيل حياة كل من الصحفية السابقة أولريكه ماينهوف وأندرياس بادر, مؤسسي ما أطلق عليه آنذاك, تنظيم بادر ماينهوف. إلا أن فيلم سكين علي الرأس, الذي يعود إلي عام1978 كان يحكي ولأول مرة عن قصة رجل, اتهم خطأ من قبل رجال الأمن بانتمائه إلي التنظيم, فأطلق عليه الرصاص, مما أدي إلي إصابته بإعاقة ذهنية وبدنية, أطاحت بذاكرته وقدرته علي الكلام وقد استند بيتر شنايدر في كتابته للسيناريو علي تفاصيل محاولة قتل اليساري الراحل رودي دوتشكي عام1968, الذي تعرض لمحاولة اغتيال, عبر إطلاق الرصاص عليه في الرأس, مما تسبب له في خلل دماغي, استلزم سنوات طوالا من التدريبات الذهنية لاستعادة الذاكرة. وكما هو الحال بالنسبة لفيلم الصمت بعد إطلاق الرصاص, يركز فيلم مقديشو علي النتائج المأساوية التي خلفتها تلك المرحلة, لكن من منظور الضحايا وبالتالي ركز الفيلم علي مختطفي طائرة لاندس هوت, وبين بكل وضوح ما تعرض له ركاب الطائرة وطاقمها, والذين بلغ مجموعهم87 شخصا. وعند عرض الفيلم تمت دعوة المختطفين السابقين في حادث اختطاف الطائرة, الذين أبدوا إعجابا شديدا به وأشادوا بواقعيته الكبيرة في تصوير الأحداث, كما عايشوها في حين عبرت أرملة قبطان الطائرة يورجان شومان عن ارتياحها من أن الفيلم دحض أخيرا رواية محاولة هرب زوجها عندما حطت الطائرة في اليمن الجنوبية, وكشف عن شخصيته البطولية, التي حاولت حتي آخر رمق الحفاظ علي سلامة الراكبين. إذن, الفيلم رسم زوايا أخري للتعاطي مع موضوع إرهاب الجيش الأحمر, وحمل المشاهد إلي تفاصيل معاناة الضحايا, وقام بصنع بطل من بين المختفين ألا وهو قبطان طائرة لاندس هوت, الذي ضحي بحياته من أجل الآخرين كما أن فيلم مقديشو حافظ وبنجاح علي حبكته المثيرة والمشوقة, وذلك من دون الاستعانة بالإرهابيين, حيث لم يقم بتعميق أي شخصية من شخصيات الإرهابيين بشكل درامي, فقد اكتفي بتقديمهم علي أساس وحيد.. أنهم إرهابيون. يري الكثير من النقاد ان هذا التحول في السينما الألمانية هو اتجاه مصاحب لحالة المجتمع من بعد التطورات الفكرية والثقافية بعد الوحدة الألمانية والتغيرات الحادثة علي النظام الرأسمالي العالمي الجديد وأحساس الألمان بأنهم المدافعون الأوائل في أوربا عن الرأسمالية الصناعية في مواجهة رأسمالية المضاربة العالمية والتي أدت إلي كارثة الانهيار الأخيرة, وفي مواجهة الصعود الآسيوي الصناعي وبالتحديد من قبل الصين, وهو التحول الذي لعب دورا كبيرا في تعطل طاقات العمل في المجتمع الألماني بشكل خاص وفي كل أوربا بشكل عام وبالتالي فان ما اضاعته الحركات اليسارية في السبعينيات من وقت في معارضة النظام الرأسمالي كان نوعا من العبث, بغض النظر عن كون أن البعض من تيارات اليسار تلك قد لجأت للعنف والإرهاب كوسيلة لها للتعبير عن معارضتها, واجماع الجميع علي مبدأ الرفض الكامل لكل محاولات القوة لفرض وجهات النظر والتوجهات السياسية. [email protected]