الشعب المصري الذي اعتادت الصحف الخاصة وصحف المعارضة علي تقديمه لنا كشعب تواق للتغيير, عادت هذه الصحف نفسها لتقدمه لنا في صورة معاكسة تماما يخرج فيها للتظاهر رافضا للتغيير.' يا وزير يا وزير مش حنوافق علي التغيير' هذا هو الشعار الذي احتفت به صحف خاصة عندما هتف به طلاب مدرسة الخلفاء الراشدين في حلوان احتجاجا علي قرارات الوزير أحمد زكي بدر الصارمة ضد هيئة التدريس والإدارة بالمدرسة بسبب ما وجده الوزير فيها من تسيب. لم يتظاهر الشعب المصري مطالبا بالتغيير, اللهم إلا أعداد قليلة من المعارضين الذين ألفنا وجوههم في كل مناسبة, لكن ها هو الشعب المصري يتخلي عن عدم اهتمامه وانصرافه عن الشأن العام ليتظاهر هاتفا ضد التغيير الذي قرره وزير التعليم. لا أظن أن طلاب المدرسة الإعدادية إياها يمثلون الشعب المصري, بالضبط.. كم لا أظن أن النشطاء المعارضين المعروفين يمثلونه أيضا. فلا هتاف طلاب مدرسة إعدادية يدل علي أن المصريين ضد التغيير, ولا احتجاجات النشطاء تدل علي رغبة المصريين في التغيير أيضا. لنترك الشعب المصري في حاله, فكل يدعي وصلا بليلي, ولنركز علي ما بات واضحا أمامنا من طريقة النشطاء والكتاب في التعامل مع شئون البلاد. يصل هؤلاء إلي أقصي درجات التشدد في انتقاد الحكومة والنظام والدستور وكل شيء له صلة بالدولة وجهازها. لا بأس في ذلك فمن حق كل مواطن أن يري الأمور بالطريقة التي يحبها, ومن حقه أن يعبر عن هذا أيضا. غير أن من حقنا علي هؤلاء التحلي ببعض الاتساق والمصداقية فلا تختفي رؤيتهم النقدية النفاذة عندما يتعلق الأمر بعموم المواطنين, فيشترك الجميع في سباق النفاق والمداهنة. هذه الطريقة في تناول الأمور هي جزء من تواطؤ عام من أجل إبقاء الأوضاع علي ما هي عليه رغم شعارات التغيير المرفوعة. إنه نفس التواطؤ الذي أتاح لمدرسي المدرسة إياها وناظرها تحريك مظاهرة تلامذة الإعدادي المتعاطفين مع مدرسيهم المساكين الذين هدد الوزير بنقلهم لجهات بعيدة. هذا التواطؤ غير الأخلاقي من أجل التهرب من تحمل مسئولية التغيير وتكلفته, والإصرار علي تحميل التكلفة والمسئولية كلها لمؤسسات سياسية ونخبة حاكمة لها أخطاؤها الكثيرة, لكنها بالتأكيد ليست وحدها المسئولة عن الأخطاء كلها. فكما تكونون يولي عليكم, وليبحث كل منا فيما يفعله عن أسباب للمشكلات التي تواجهنا جميعا, ولا يبحث لنفسه عن أعذار ومبررات علي طريقة' اشمعني'