خروج مصر من الأزمة الاقتصادية لن يكون فوريا لكنه يتطلب إجراءات ووقتا, ويمر عبر تغيير جذري في بنية الاقتصاد وأدواته. ومصر لديها خبرة طويلة في تنويع اقتصادها. والتحول من الزراعة إلي الصناعة ثم إلي الخدمات. والإصلاح الاقتصادي بدأ مع تقليص القطاع العام والخصخصة ومحاولات إصلاح القوانين والأنظمة المالية وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر لكن ولسوء الحظ افتقدت هذه الاصلاحات للجدية والعدالة والحاكمية, ووصلت بمصر لثورة علي اقتصاد مشلول. تطوير القطاع المصرفي لعب دورا مهما في إنجاح التحول الاقتصادي في جميع البلدان التي تحولت لاقتصاد السوق, والقطاع المصرفي المصري من أقدم القطاعات المصرفية في المنطقة علي الاطلاق, ومنذ القرن التاسع عشر كانت مصر مقرا للمصارف الدولية الكبري, هذا القطاع أصبح الأقل تطورا في المنطقة, ليس فقط لانطلاق الصيرفة الاسلامية في الخليج والتي سحبت البساط من تحت أقدام التمويل التقليدي ولكن لأن ثورة تطوير الأداء والنظم لم تحدث بعد في مصر والتطوير يمر بالخطوات التالية. أولا: تنمية صناعة الصيرفة تحتاج إلي تنمية الأفراد والأدوات والأنظمة واللوائح التي تنظمها. وتعزيز نظم الحوكمة والشفافية يعتبر تحدي البنوك المصرية الأول, بجانب جذب الكفاءات الادارية التي تستطيع التعامل مع التنافسية وانفتاح الاسواق, حيث أصبح معيار التعامل هو جودة الخدمة وكفاءة الأداء وسرعة الانجاز والتكلفة المعقولة وتلبية احتياجات العملاء, هذه القواعد تمثل اتجاها عالميا فرض نفسه علي الجميع ولا يمكن التقدم بدونه. ونظرة واحدة علي تدني خدمات بعض البنوك التنموية وصندوق التنمية الاجتماعي ومقارنتها بأفرع البنوك الدولية توضح البون الشاسع وحجم التطور الذي يمكن احداثه في خدماتها مما سوف يدفع بها للمنافسة مرة اخري. ثانيا: رأسمال البنوك التجارية والتنموية المصرية صغير جدا مقارنة بحجم البنوك العالمية وحتي الاقليمية, وزيادة رأسمال هذه البنوك عبر الدخول في عمليات اندماج وزيادة القاعدة الرأسمالية ودمجها أصبح مطلبا لرفع كفاءة استخدام رأس المال وتعظم الاستفادة من مقوماتها وخبراتها. ثالثا: تركز البنوك المصرية علي الودائع والقروض وإهمالها الاستثمار وتأسيس شركات قلل من مشاركتها في التنمية, فهي تستطيع الاستعانة بأفضل بيوت الخبرة لتأسيس مشروعات انتاجية وخدمية تكون ذراعا استثماريا تنمويا لها. ولا داعي للتذكير بأن الطفرة الاقتصادية التي شهدتها مصر في ثلاثينيات القرن الماضي علي يدي طلعت حرب كان وراءها قيام بنك مصر بتأسيس العشرات من الشركات الناجحة, منها مصر للسياحة, مصر للطيران وغيرهما واليوم مثلا بنك جرامين التنموي الذي أسسه محمد يونس في بنجلادش أسس39 شركة في مجالات عديدة منها الاتصالات, والبرمجيات, والمعلوماتية, والمنسوجات, والتعليم, والاستثمار, وإدارة رأس المال.. وغيرها. رابعا: يمثل تداول السلطة والتركيز علي عنصر الكفاءة في الإدارة العليا وسبل اختيار مجالس ادارة البنوك وتقييم أدائها الفيصل في نجاحها كمؤسسات وليس حجم الدعاية أو التربيطات التي تتمتع بها, وعلي متخذي القرار النظر في التخلص من العناصر غير الفاعلة والفاشلة وبقايا الفساد وترفيع الأفضل إلي سدة القرار في هذه المؤسسات, وهذه الخطوة هي أساس أي تطوير لصناعة البنوك في مصر. إن ضعف وتدني قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة المصرية يعود بنسبة كبيرة لفشل البنوك في تمويل هذه المشروعات وتعاملها معها بأسلوب أصحاب الياقات البيضاء والمكاتب المكيفة بدلا من النزول للشارع ودراسة الاسواق والمتغيرات, وتركيزها علي الضمانات بدلا من تركيزها علي دعم المشروع وصاحبه, مما يكبدها ويكبد الاقتصاد خسائر فادحة جراء فشل نسب كبيرة من المشروعات.