بفتح باب الترشح رسميا لخوض انتخابات الرئاسة المصرية في العاشر من شهر مارس الحالي, بدأ العد التنازلي لموعد إجراء تلك الانتخابات, التي يترقبها العالم كله. الذي كان بالأمس القريب يراقب عن كثب ما يحدث في مصر بعد قيام ثورة25 يناير التي كشفت عن مدي الوعي والإدراك الشعبي للقضايا والمشاكل بتنوعاتها السياسية, الاقتصادية, الخارجية والداخلية, والتي يلخصها أحد شعارات تلك الثورة في عيش, حرية, عدالة اجتماعية. فهي مطالب ذات أبعاد سياسية, واقتصادية, واجتماعية أكدها الشعب المصري ولا يزال متمسكا بها إلي يومنا هذا ويكافح من أجل أن يلمس آثارها علي أرض الواقع, مما يجعل مواقف مرشحي الرئاسة من القضايا الاقتصادية أحد المحددات التي علي أساسها سيصوت الناخبون بجانب جملة من المحددات الأخري السياسية والحزبية التي ستحدد من الفائز في أول انتخابات رئاسية عقب ثورة يناير. ومنذ الإطاحة بنظام مبارك في الحادي عشر من فبراير2011 تواجه مصر العديد من التحديات والتداعيات الاقتصادية التي أعقبت ثورة25 يناير, والتي تمثلت في تحقيق عجز كلي بميزان المدفوعات بلغ12.7 مليار دولار في الفترة من يناير2011 إلي سبتمبر من العام ذاته, مقابل فائض كلي بلغ719.1 مليون دولار خلال الفترة من يناير2010 إلي سبتمبر من العام ذاته, وهبوط معدل النمو الاقتصادي المصري إلي ما بين1-2% في الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن يصل إلي6%, وانخفاض حجم الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي إلي18 مليار دولار, بعد أن كان يقدر بنحو36 مليار دولار, وتراجع معدلات الدخل السياحي, وهو ما يعكس خسارة مصر يوميا بنحو40 مليون دولار, وتحقيق البورصة المصرية لخسائر تتعدي20 مليار جنيه, وتراجع معدلات نمو الناتج القومي ليصبح بالسالب في الربع الثالث من يناير إلي مارس2011 من السنة المالية2011/2010, مقابل5.5% و5.7% في الربعين الأول والثاني علي التوالي, فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلي10%. وانطلاقا مما سبق, يبدو جليا أهمية التعرف علي الرؤي الاقتصادية للمرشحين البارزين في الانتخابات الرئاسية القادمة, وكذلك ملامح النظم الاقتصادية التي جاءت في طياتها تلك الرؤي, خاصة في ضوء تباين الانتماءات السياسية والتيارات الفكرية للمرشحين الذين سيخوضون تلك الانتخابات. رؤي المرشحين للنهوض بالاقتصاد المصري احتلت القضايا الاقتصادية جزء كبيرا من أحاديث وتصريحات المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة, علي الرغم من عدم إعلان أي منهم عن برنامجه الانتخابي بصورة تفصيلية ورسمية, وتتمثل الرؤي الاقتصادية للمرشحين الذين أعلنوا عن نيتهم للترشح للمنصب مع الإعلان عن فتح باب الترشيح وسعيهم للاستكمال أوراق الترشيح في الأتي:- أولا:- عمرو موسي: تتمثل رؤيته لتحقيق التنمية الشاملة في إقامة مشروعات تنموية كبري, ويأتي في مقدمة تلك المشروعات إقامة مشروع ممر التنمية المنتظر منه فوائد كبيرة لمستقبل مصر الاقتصادي. وفيما يخص التعامل مع قضية البطالة, فقد قدم موسي حلولا علي المدي القصير للتداعيات المترتبة علي مشكلة البطالة, من خلال تخصيص بدل البطالة بقيمة50% من الحد الأدني للأجور, وحلولا أخري علي المدي الطويل تتعلق بالعمل علي إنهاء أزمة البطالة من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ثانيا:- أحمد شفيق: ينطلق برنامجه الاقتصادي من رؤيته لمصر علي أنها ساحة هائلة, وليس لها مثيل في التنمية الاقتصادية, سواء من خلال بيئتها, أو ظروفها الجوية, حتي الصحراء الموجودة في مصر يمكن تنميتها. وتتحدد ملامح هذا البرنامج في تحويل مصر لكي تكون وجهة المستثمرين في العالم, واستغلال منطقة قناة السويس لتكون سوقا حرة, والاهتمام بالصعيد المصري, وإعادة أهالي النوبة إلي أراضيهم بجوار النيل من أجل كسب ولائهم لمصر, وتوجيه الاهتمام إلي الاهتمام بتنمية سيناء. ثالثا:- عبد المنعم أبو الفتوح: تمثلت رؤيته للتنمية الاقتصادية في إطار تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد ريعي إلي اقتصاد منتج يعتمد علي صناعات بعينها يخلق فيها ميزة تنافسية, ومشاركة الدولة والقطاع الخاص( الكبير والمتوسط والصغير) في التخطيط وتوجيه الاستثمارات الجديدة, طبقا لخطة واضحة, واستخدام السياسة النقدية والضريبية بشكل يشجع الاستثمار في القطاعات المنتجة, ووضع ضوابط للاستثمار الأجنبي تتيح تعظيم الاستفادة منه ليس فقط في مجال التشغيل وضخ عملة صعبة وزيادة الناتج المحلي, ولكن أيضا في مجال التدريب والتقدم التقني والتكنولوجي. رابعا:- حمدين صباحي: يري أن مسار التنمية والنهوض بالاقتصاد المصري لن يتحقق إلا باتخاذ عدة خطوات, يأتي في مقدمتها إعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة للدولة, بحيث يتصدر الإنفاق علي التعليم والصحة والبحث العلمي تلك الأولويات, ثم تنفيذ مشروعات تساعد علي تحقيق النهضة الاقتصادية, مثل مشروع تعمير سيناء, ومشروع تنمية الصعيد, ومشروع تطوير الريف, مع التركيز علي سبع صناعات أساسية في مصر هي( الغزل والنسيج, والأدوية, والأسمدة, والحديد, والأسمنت, والصناعات الهندسية, وصناعة السينما), وكذلك تبني مشروعات جديدة, مثل مشروع الطاقة الشمسية بمحافظات الصعيد, والذي سيحقق لمصر ما حققه البترول لدول الخليج, بشرط توفر إدارة وإرادة جديدة للدولة. خامسا:- حازم أبو إسماعيل: يري وجوب إعادة هيكلة الاقتصاد المصري, ووضع أسس لتنمية مصادر الدخل القومي من خلال إقامة مشروعات زراعية جديدة بالصحراء الغربيةوسيناء, مع تأسيس صناعات ضخمة علي أرض مصر, فهي تمثل حجر الزاوية في مشروع نهضة مصر الاقتصادي, والتوسع في إقامة استثمارات خارجية ذات عوائد متبادلة مع دول الجوار, مثل إقامة مشروعات زراعية بالسودان. سادسا:- محمد سليم العوا: تتمثل رؤيته لتحقيق التنمية الاقتصادية في حلول غير تقليدية من خلال إقامة مشروعات تكنولوجية جديدة في مجالات الطاقة المتجددة, مثل الطاقة الشمسية, والرياح, وتحلية مياه البحر, والترويج لجذب رءوس الأموال للاستثمار في تلك المشروعات. سابعا:- حسام خير الله: جاءت رؤيته للتنمية الشاملة للنهوض بمصر في إطار تهيئة المناخ الاستثماري لتشجيع الاستثمارات الخارجية, في إطار قواعد شفافة تحترم مصالح كلا الطرفين المصري والخارجي, علي أن تشجع الدولة تلك الاستثمارات للتوجه نحو القطاعات الاقتصادية ذات التأثيرات الاستراتيجية في حياة المواطنين, وفي مقدمتها الزراعة والصناعة والسياحة. ثامنا:- أبو العز الحريري: يري ضرورة تنفيذ العديد من الإصلاحات التي من شأنها إقالة الاقتصاد المصري من أزمته الراهنة من خلال اتخاذ قرارات, من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية عبر حزمة من الإصلاحات, منها تحديد أسعار السلع وتقديمها بالتكلفة الحقيقية للمواطنين, بحيث يحدث ارتفاع في الدخل الحقيقي للمواطن الفقير, حال حدوث أي زيادة فيه, وسن القوانين لمنع نهب الأموال, وإعادة هيكلة الخزانة العامة للدولة, في ضوء أن نصف الاستهلاك المحلي يذهب لصالح مؤسساتها العسكرية والشرطية, وإجراء الإصلاحات الاجتماعية, وتطبيق الحد الأدني للأجور, وتسديد ديون صغار الفلاحين, مع قصر الدعم علي المواطنين, وعدم منحه للشركات الأجنبية والشركات الكثيفة الاستخدام للطاقة التي تشارك المواطن البسيط في هذا الدعم. ملامح النظام الاقتصادي الذي يتبناه المرشحون علي الرغم من اختلاف الانتماءات السياسية وتباين الأيديولوجيات التي يتبناها مرشحو الرئاسة, اتفقت رؤيتهم في تبني النظام الاقتصادي المختلط الذي تتعدد أشكاله وفقا لدرجة الوسطية بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي, أو للخلفية الفكرية, مثل الاقتصاد الإسلامي المنبثق من تيار الفكر الإسلامي. وبتحليل رؤي المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة, يمكن تصنيف النظم الاقتصادية التي انبثقت منها تلك الرؤي, وفقا للتصنيف الآتي: أولا:- نظام اقتصادي مختلط يميل إلي الرأسمالية: جاءت رؤية أبرز مرشحي الرئاسة المحسوبين علي التيار الليبرالي لتبني نظام اقتصادي مختلط يميل إلي الرأسمالية, والذي يتبني اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية, مع محدودية دور الدولة في الحياة الاقتصادية. فقد أعلن عمرو موسي عن تبنيه لسياسة الاقتصاد الحر القائم علي العدالة الاجتماعية, علي أن تكون الكيانات الاقتصادية الضخمة والمرتبطة بالثروات الأساسية للبلاد في يد الشعب. ويري الفريق أحمد شفيق أن مصر ستكون قبلة للمستثمرين من خلال تبني نظام اقتصادي حر يساعد علي جذب المستثمرين بشكل يسهم في تشغيل الشباب وزيادة الدخل والناتج القومي. في حين يري اللواء حسام خير الله ضرورة تشجيع القطاع الخاص من خلال اتباع سياسات وإجراءات شفافة لضمان إسهام فعال في المشاكل الاقتصادية التي يعانيها اقتصاد مصر, علي أن تقوم الدولة بدورها الحقيقي في تمويل ورعاية القطاعات الاقتصادية ذات التأثيرات الاستراتيجية في حياة المواطنين. وعلي الرغم من وجود بعض المرشحين المنتمين للتيار الإسلامي, فإنهم أيضا تبنوا النظام الاقتصادي المختلط الذي يميل إلي الرأسمالية. فبالنسبة للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, فيري أن تعظيم التنمية الاقتصادية المتوازنة والعادلة سيكون عن طريق تفعيل أشكال الملكية والإنتاج المختلفة, وعدم قصرها علي ثنائية القطاع العام/ القطاع الخاص. كما أعلن محمد سليم العوا عن تبنيه سياسة فتح أبواب العمل الحر بغير قيود, وتشجيع المشاريع الصغيرة بغير قيود, وإلغاء الروتين الحكومي عند إقامة المشروعات. ثانيا:- نظام اقتصادي مختلط يميل إلي الاشتراكية: تميل رؤية مرشحي الرئاسة المنتمين للتيار اليساري, وأبرزهم المرشحان حمدين صباحي وأبو العز الحريري, لتبني نظام اقتصادي مختلط يميل إلي الاشتراكية, حيث تعظيم دور الدولة والقطاع العام في الحياة الاقتصادية, ومحدودية دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. فيري حمدين صباحي أن إمكان النهوض بالاقتصاد المصري ستكون من خلال الاعتماد علي ثلاثة قطاعات رئيسية للنهوض بالاقتصاد المصري, هي: قطاع عام متحرر من البيروقراطية, ويعتمد وسائل الإدارة الحديثة والتخطيط العلمي, وقطاع تعاوني يعظم القدرات الإنتاجية والتنافسية, وقطاع خاص تقوده رأسمالية وطنية تلعب دورها الرئيسي والمنتظر في مشروع النهضة, وتشجيعها من خلال حوافز الاستثمار, ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر, وتشريعات تواجه الفساد والاحتكار وقوانين تضمن أداء الرأسمالية الوطنية لواجبها الاجتماعي. أما عن المرشح أبو العز الحريري, فعلي الرغم من أن برنامجه الاقتصادي لم يعلن عنه بشكل نهائي, فإن تصريحاته بعد إعلان ترشحه للرئاسة أظهرت ميوله الاشتراكية, حيث أكد علي دور الدولة في اتخاذ القرارات, والقيام بالإصلاحات التي تؤدي إلي تحديد أسعار السلع, وتقديمها بالتكلفة الحقيقية للمواطنين, بحيث يحدث ارتفاع في الدخل الحقيقي للمواطن الفقير. ثالثا:- نظام الاقتصاد الإسلامي: أعلن حازم أبو اسماعيل عن رؤيته لتبني النظام الاقتصادي الإسلامي, والذي يعد من قواعده الأساسية أن الملكية الخاصة حق الأفراد في تملك الأرض والعقار ووسائل الإنتاج المختلفة, مهما يكن نوعها وحجمها, بشرط ألا يؤدي هذا التملك إلي الإضرار بمصالح عامة الناس, وألا يكون في الأمر احتكار لسلعة يحتاج إليها العامة. وبالنسبة للملكية العامة, تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها وسيطرتها, من أجل توفير الحاجات الأساسية لحياة الناس ومصالح المجتمع. ولكن برنامجه الاقتصادي لم يتضمن الرؤية تجاه المحظورات التي يقرها النظام الاقتصادي الإسلامي, ومنها تحريم الاتجار في القروض, وتحريم بيع ما لا يمتلكه الفرد, وما يندرج تحت هذا البند من أمثلة التمويل العقاري وغيره. ملاحظات ختامية وبعد هذا العرض لرؤية المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة وتوجهاتهم الاقتصادية حيال العديد من القضايا المركزية التي تشغل كل أطياف الشعب المصري, نشير إلي ملاحظتين: أولا:- اتفاق أغلب المرشحين المحتملين لخوض انتخابات الرئاسة القادمة في برامجهم الانتخابية, فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية, علي أهمية معالجة القضايا الاقتصادية, وإن اختلفوا في وسائل وطرق المعالجة, المتعلقة بضرورة النهوض بالزراعة, والاهتمام بالفلاح, وتحديد الحد الأدني للأجور, والعمل علي زيادته, والعمل علي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية, وتنشيط السياحة, وتنمية سيناء والصعيد.وبالتالي, يمكن اعتبار مناطق الاتفاق المشار إليها سلفا تمثل في الوقت ذاته ترتيبا للأولويات الاقتصادية التي يجب أن يضعها الرئيس القادم نصب عينيه, والذي يمكن اعتبارها المسار الاقتصادي لرئيس مصر القادم, والذي سيتتبعه الشعب من خلاله. ثانيا:- لا تزال الرؤي حول مستقبل اقتصاد مصر غير مكتملة, حيث لم يفصح أي من مرشحي الرئاسة عن كامل برنامجه الانتخابي, فلم يحدد أي من المرشحين كيفية تمويل برنامجه الاقتصادي, حيث جاءت رؤي هؤلاء المرشحين حول التعامل مع التحديات التي يمر بها الاقتصاد المصري في الوقت الراهن فضفاضة, وأقرب ما تكون إلي شعارات انتخابية, راحت تغازل مشاعر المواطنين المصريين. وهو ما يذكرنا بالشعارات التي كانت تتردد في ظل النظام البائد, مثل تبني بعض الأفكار المتعلقة بتنمية الصعيد وسيناء, وتنفيذ بعض المشروعات القومية مثل ممر التنمية, وذلك دون الاهتمام بتحديد مصادر التمويل اللازمة لتحقيق ذلك, وهل سيعتمدون في ذلك علي التمويل الوطني أو سيعتمدون في تنفيذ أفكارهم علي الاقتراض من الخارج والمعونات الأجنبية. ويمكن تفسير ذلك في ضوء ما أثير علي الساحة المصرية في الفترة الأخيرة بشأن قضية التمويل الأجنبي, والتي جعلت المرشحين ينأون بأنفسهم بعيدا عن الشبهات, والخوف من الاتهام بالعمالة. وفي جميع الأحوال, فإن طرح الرؤي والبرامج الاقتصادية, في إطار يتسم بالتحديد والوضوح والدقة لآليات وإمكانات التنفيذ لتلك الرؤي والبرامج, هو ركيزة أساسية لبناء الثقة بين الناخب المصري ومرشحه. باحثة متخصصة في الشئون الاقتصادية