تاريخ الدولة المصرية طويل وممتد, يمكن القول: ان مصر أقدم دولة متصلة لم تتغير أو يتغير شعبها عبر التاريخ, ومنذ وحدها الملك مينا أحد ملوك الدولة القديمة من حوالي3000 سنة تعاقب عليها حوالي209 ملوك حتي الفتح الاسلامي عام640 وحكم عمرو بن العاص, واستمر تتابع مئات المماليك والسلاطين الذين حكموها حتي وصل الحكم إلي محمد علي باشا في عان1805 حيث أنهت الثورة حكم اسرته عام1952 وحولت مصر إلي جمهورية منذ حوالي60 سنة تولي اللواء محمد نجيب أول رئاسة للجمهورية وتلاه ثلاثة رؤساء, جميعهم جاءوا للحكم دون تدخل أو اختيار الشعب. العشرات من الحكام المصريين اقاموا المدن والقلاع, واقاموا المشاريع الزراعية والصناعية, وبنوا الاسطول وأسسوا وطوروا الجيش المصري, أسسوا الأزهر والمساجد والكنائس, شقوا الترع والجسور والسكك الحديدية, اهتموا بالتجارة واقاموا بورصة القطن والبورصة المصرية واهتموا بالعدل واقاموا المحاكم, واهتموا بالثقافة والعلم واقاموا المعاهد والجامعات والأوبرا والمسارح ومراكز الفنون, واهتموا بالحكم وأسسو نظم حكم وأدواته ومؤسساته. كل مقومات الدولة الحديثة موجودة في مصر منذ عقود, لكنه يحتاج إلي إعادة ترتيب وتفعيل!! هؤلاء الحكام كان معظمهم أصحاب عزيمة ورؤية, قد لا يكونون اصحاب علم وثقافة لكنهم اهتموا بالعمل الجاد وبناء الدولة, استطاع اكثرهم تخطيطا وتنظيما ان يساهموا في البروز الحضاري لمصر, جمعوا حولهم الكفاءات وشحذوا الهمم, والتصقوا بالشعب, لم يكن توالي الحاكم علي مصر محكوما بخلفيتهم الثقافية أو الدينية, كانت القضية هي حكم دولة قوية مستقرة, ميزت بعضهم اطماع التوسع أو العظمة أو تحقيق نزوات شخصية, لكن الدولة المصرية كانت دائما تقوم من كبواتها ويعلوا شأنها من خلال حاكم قوي( مينا وأحمس وقطز ومحمد علي وجمال عبدالناصر أمثله لهؤلاء الاقوياء). الأوضاع المصرية الحالية تحتاج إلي رئيس له رؤية وعزيمة لكنه قوي وحازم! لن يحمل عصا سحرية يقضي بها علي فساد وظلم وجهل مستشر لكنه سوف يحاول نشر العدل وقيم الحرية, سيحاول إعادة مصر التي يعرفها العالم وليست التي يحاول البعض إيهامنا بها! ومواصفات الرئيس القادم موجودة في تاريخنا وحضارتنا, يمكن تحديد شخصيته وخلفياته وقدراته من بين المئات من الحكام تعاقبوا علي مصر, فلا نحن دولة قبلية بدوية تميل لإختيار رئيس القبيلة صاحب أكبر عدد من الابل, ولا نحن دولة في حرب تميل لاختيار قائد يحرر أراضيها ويقود معاركها, ولا نحن دولة دينية نختار الامام الأكثر تدينا ولا دولة عجائز نختار الأكبر حكمة وخبرة, بل نحن دولة تبني الحضارة وتنشرها للناس, نحن دولة علم, فقد علم الفراعنة الدنيا العلوم والاداب والفنون, ونحن دولة قوة أول من اسس جيشا يحميها ويوسع حدودها, نحن دولة تحارة وصناعة وحرف, خرجت منها قوافل المنتجات والصناع تجول الدنيا, ونحن دولة تحب الدين احتضنت غالبية انبياء الله فدخلها السيد المسيح واحتمي بها واسرته, وعاش بها موسي وشعبه, ونحن دولة حرية وحقوق وضعت دستورا وأقامت مؤسسات قبل الكثير من دول العالم, وكانت نخبتها دائما حقوقيين ومثقفين ورجال صناعة وتجارة مصر دولة حضارة يجب ان يأتي لرئاستها رجال بناء وتنمية ذوو رؤية وبصيرة وليسوا اصحاب كرامات! كلام البعض عن إختيار رئيس يتقي الله, حق يقصد به باطل فلا يمكن حصر قيادة دولة مثل مصر في هذه النقطة والتي يستحيل قياسها وحتي لو قسناها فجميع افراد الشعب المصري ملتزمون ومع ذلك حال البلد يمضي من سيئ لأسوأ. كفي خلطا للأوراق, فالمرشح القوي لا يعني ان يكون من رجال الجيش, والمرشح الصالح لا يعني ان يكون امام مسجد, والمرشح الإداري لا يعني انه صاحب شركة كبيرة, والمرشح السياسي لا يشترط انه قضي سنوات في السجون فقد أثبتت التجارب حولنا ان تدين المرشح أو أمواله أو قوته ومكره لم تكن مفتاح نجاحه لقيادة البلاد بل مدي انفتاحه وابداعه وسعة أفقه وخبرته مع العمل والتخطيط والكفاح والإخلاص واحترام قيم الدين ومفاهميه الصادقة هو الطريق الامثل. فقط حكام مصر المبدعون اصحاب الرؤية هم من تركوا بصمتهم علي تاريخها وساهموا في كونها دولة تنير حضارتها المنطقة والعالم, فلا نريد الآن رئيسا يعدنا بمستقبل غامض لا ينتمي لماضينا وتاريخنا ويمثل مضيعة لسنوات قادمة يمكن ان تقفز فيها مصر قفزات تعيدها إلي تميزها بين الأمم.