قال الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر ورئيس مجلس الشوري الأسبق أن ثورة يناير بريئة من تردي الأوضاع الاقتصادية الحالية وأن مشاكل الاقتصاد المصري الحالية يمكن التغلب عليها إذا تم علاج أوجه الخلل الحالي, وقال في حواره مع الأهرام المسائي أن استعادة الأمن هي الركيزة الأساسية لاستعادة الاقتصاد المصري عافيته والي تفاصيل الحوار: * ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المصري في المرحلة الحالية؟ ** يمكن تلخيص أهم هذه المشاكل في عجز الميزان التجاري وتحول فائض ميزان المدفوعات إلي عجز إضافة إلي عجز الموازنة العامة والذي بلغ134 مليار جنيه وكذلك انهيار السياحة وتراجعها بنسبة تصل إلي40% خلال عام2011 علما بأنها تسهم بنسبة11% من الناتج المحلي الإجمالي, ويعمل بها حوالي3 ملايين فرد عمالة مباشرة وغير مباشرة كما أنها المصدر الأساسي للنقد الأجنبي بدخل يصل إلي أكثر من10 مليارات دولار في السنة. كما أنه لا يمكن أهمال تعطل الانتاج في بعض المصانع وتعثر البعض الآخر فبلغ عدد المصانع المغلقة والمتعثرة حوالي1500 مصنع وكذلك تخفيض التصنيف الائتماني لمصر4 مرات الأمر الذي أدي إلي صعوبة الحصول علي القروض الخارجية, وارتفاع سعر الفائدة علي القروض الداخلية والخارجية وتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يأتي من الخارج بعد أن كان قد وصل إلي13,5 مليار دولار عام2008 2009. اضافة إلي تزايد الدين العام بنوعيه الداخلي والخارجي حيث وصل الدين العام الداخلي إلي حوالي1,2 تريليون جنيه كما وصل الدين العام الخارجي حوالي35,5 مليار دولار. * هل تعتقد أن ثورة25 يناير هي المسئولة عن هذه المشاكل الاقتصادية الخطيرة؟ ** أنا شخصيا لا اعتقد ذلك فثورة25 يناير التي قام بها خيرة شباب مصر, كانت ثورة سلمية تكنولوجية بيضاء تستهدف صالح مصر عن طريق الدعوة إلي طريق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أما الأسباب الحقيقية للأوضاع الاقتصادية المتدهورة فهي أولا الانفلات الأمني وكذلك اندساس بعض المأجورين والبلطجية في المظاهرات السلمية وتحويلها الي دموية وطبيعي أن تظهر صور كل ذلك فورا في القنوات الفضائية في جميع دول العالم الأمر الذي يؤدي إلي توقف السياحة والاستثمارات الأجنبية وحتي الاستثمارات المحلية. وكذلك انتهاز البعض لمناخ الحرية الذي تحقق في مصر وقاموا بالعديد من المطالبات الفئوية التي استجابت لها الحكومة السابقة, الأمر الذي أدي إلي زيادة عجز الموازنة العامة للدولة من134 مليار جنيه إلي162 مليار جنيه. * هل هناك روشتة لعلاج هذه المشاكل ؟ ** لابد من العمل علي استعادة الأمن في الشارع المصري بأسرع مايمكن وتحقيق الاستقرار السياسي, فبعد أن تمت انتخابات مجلس الشعب لابد من الاسراع في إعداد دستور جديد للبلاد يتم الاستفتاء عليه, وأخيرا انتخابات رئيس الجمهورية اضافة الي تفعيل الحد الأدني للأجور وهو700 جنيه شهريا وزيادته الي800 جنيه شهريا وتحديد حد أقصي للدخل في الجهاز الإداري للدولة لايتجاوز25 ألف جنيه شهريا والعودة الي نظام الضريبة التصاعدية علي الدخل بشرط ألا يزيد سعر الضريبة علي35% حتي لاتكون طاردة للاستثمار علاوة علي زيادة حد الإعفاء من ضريبة كسب العمل حتي يزيد الدخل الصافي للموظفين والعمال باعتبار أنهم من ذوي الدخل المحدود ووضع خطة للقضاء علي التهرب الضريبي الذي انتشر في البلاد في السنوات الأخيرة والذي يقدر بحوالي30 مليار جنيه في السنة. وتنشيط تحصيل المتأخرات الضريبية التي تصل الي حوالي60 مليار جنيه وذلك عن طريق إعطاء حوافز للممولين تتراوح بين10% و30% من الضرائب واجبة السداد والتنازل عن القضايا والنزاعات بين مصلحة الضرائب والممولين. * ماهي دوافع تخفيف التصنيف الائتماني لمصر؟ ** حدث أن قامت بعض المؤسسات الدولية المستقلة التي تقوم عادة بالتصنيف الائتماني للدول, حدث أن قامت بتخفيض تصنيف مصر4 مرات في عام2011, وذلك بسبب ما يعانيه الاقتصاد المصري من مشاكل وبصفة خاصة التناقص الحاد السريع في احتياطي النقد الأجنبي لدي البنك المركزي المصري حيث انخفض في2011 من36 مليار دولار الي حوالي18 مليار دولار, ولاشك أن تخفيض التصنيف الائتماني لمصر له آثار خطيرة أهمها صعوبة الحصول علي قروض خارجية علاوة علي ارتفاع سعر الفائدة علي القروض بنوعيها أي أذون الخزانة والقروض الخارجية. * ظهر التيار الديني علي السطح بشكل كبير فهل يمثل ذلك مبررا لتخوف البعض؟ ** الواقع أنني غير متخوف علي الإطلاق من وصول التيار الديني لمجلس الشعب بأغلبية كبيرة تصل الي حوالي65% مابين حزب الحرية والعدالة( الاخوان المسلمين)وحزب النور(التيار السلفي) الي جانب الجماعات الإسلامية. وأعتقد أن هذا التيار الديني معتدل ولاسيما بالنسبة للإخوان المسلمين وهم قادرون علي إقناع الشعب المصري بأنهم ظلموا, فيما مضي عندما كانت جماعة محظورة منذ نشأتها علي يد المرحوم الشيخ حسن البنا عام1928 والواقع أن تصريحات المسئولين عن التيار الديني في الفترة الأخيرة تؤكد أنهم سوف يعملون علي إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر وليس موضوعات أخري مثل فرض الحجاب وخلافه. * أثير في الفترة الأخيرة موضوع التمويل الخارجي لبعض الجمعيات الأهلية, ما رأيك في هذا الموضوع؟ ** يوجد في مصر حوالي35 ألف جميعة أهلية وهذه الجمعيات تخضع لقانون موجود منذ عشرات السنين خاص بهذه الجمعيات والقانون يشترط علي أي جمعية أهلية أن تحصل أولا علي ترخيص من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية, ويجيز هذا القانون للجمعيات أن تحصل علي تمويل أجنبي, بشرط إخطار وزارة الشئون بالمبلغ, ومن الذي قام بدفعه, والغرض من إنفاقه والذي حدث في مصر في الفترة الأخيرة هو أن وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية قامت بالتفتيش علي بعض الجمعيات المخالفة سواء من حيث حصولها علي الترخيص المشار إليه, أو من حيث حصولها علي تمويل أجنبي دون إخطار الوزارة وأعتقد أن هذا أمر طبيعي ولا يجوز لهذه الجمعيات والدول التي قامت بتمويلها الاحتجاج علي هذا التفتيش لأنه مطابق لنص القانون. * ماهو رأيك في المداهمات التي قامت بها الشرطة في الفترة الأخيرة علي بعض جمعيات المجتمع المدني؟ ** أنا أتحفظ علي كلمة مداهمات لأنه لم تكن هناك مداهمات, وإنما كانت عملية تفتيش علي بعض الجمعيات الأهلية قام بها وكلاء نيابة ومفتشون من وزارة الشئون الاجتماعية ومعهم عدد محدود من رجال الشرطة للتأمين فقط, نحن لدينا حوالي35 ألف جمعية أهلية في مصر وهي تقوم بدور مهم وأساسي ومطلوب, ولكن لابد أن يكون هذا بما يتفق مع قانون الجمعيات الأهلية, المشكلة في عدد محدود من هذه الجمعيات بعضها يعمل بدون ترخيص والبعض الأخر يحصل علي تمويل أجنبي دون إخطار وزارة الشئون الاجتماعية, هذا إلي جانب عدد محدود من الجمعيات والتي تعتبر فروعا لجمعيات في الخارج وقد أقيمت هذه الفروع في مصر وتزاول نشاطها دون اخطار وزارة الخارجية. * بمناسبة قرب إعداد الدستور الجديد. هل تفضل النظام الرئاسي أم النظام البرلماني؟ ** إذا نظرنا حولنا في العالم فسوف نجد أن بعض الدول تطبق النظام البرلماني كما هو الحال في إنجلترا, كما أن بعض الدول تطبق النظام الرئاسي كما هو الحال في الولاياتالمتحدة مثلا, كما أن بعض الدول تطبق النظام المختلط مثل فرنسا وفي تقديري أن النظام المختلط هو الأنسب لنا بشرط أن تكون سلطات رئيس الجمهورية محدودة ومعني هذا أن الجزء الأكبر من السلطات يكون في يد مجلس الشعب. * بعد مرور عام علي ثورة25 يناير, ما هي في رأيك أهم التغيرات التي حدثت في مصر؟ ** لا شك أن ثورة25 يناير أدت إلي إحداث تغيرات جذرية في المجتمع المصري تشبه المعجزة منها علي سبيل المثال:- إيقاظ الروح الوطنية لكل القوي السياسية في المجتمع. وإنهاء حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك وبطانته أي بطانة السوء. وانتخاب أول مجلس شعب بشكل حر ومباشر وتمثل فيه كل التيارات السياسية والإسلامية. وإتباع نظام الانتخاب بدلا من التعيين في كثير من المناصب وبصفة خاصة الجامعات( رئيس الجامعة) والكليات( عميد الكلية ورئيس القسم) ومن ثم انتهي عهد تحكم مباحث أمن الدولة في تعيين القيادات الجامعية. إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية حيث أصبح لدينا أكثر من ستين حزبا سياسيا. و استرداد الإنسان المصري لكرامته وذاته وشعوره بسقوط الكبت والقهر والحرمان. * ما هي القوانين التي تقترح تبني مجلس الشعب إصدارها؟ ** هناك العديد من القوانين التي اقترح إصدارها وأخري أقترح تعديلها ومنها علي سبيل المثال: تعديل قانون المعاشات. وقانون صرف إعانة البطالة. وقانون حرية تداول ونشر المعلومات. وتعديل قانون حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية. وتعديل قانون حرية الصحافة والاعلام. وتعديل قانون الجمعيات الأهلية. وقانون للحفاظ علي حقوق شهداء ومصابي25 يناير وأسرهم سواء المادية أو الأدبية. * ما هي في رأيك المحاور المختلفة التي تعتمد عليها عملية بناء مصر؟ ** في تقديري أن بناء مصر يقوم علي ثلاثة محاور: المحور الأول: الديمقراطية وهي عمل واسع وعميق يتضمن حقوق الإنسان واستقلال القضاء وفصل السلطات وإجراء انتخابات نزيهة للسلطة التشريعية ومنصب رئيس الجمهورية, وبناء مؤسسات الدولة مع تطبيق اللامركزية الإدارية إلي جانب إعطاء الفرصة للشباب والمرأة للمشاركة في الحياة السياسية. أما المحور الثاني لبناء مصر: هو إصلاح القطاعات التي انهارت في السنوات الأخيرة مثل التعليم والصحة والإسكان والبيئة إلي جانب بطبيعة الحال الزراعة والصناعة. وأخيرا فإن المحور الثالث لبناء مصر: هو سرعة الإعداد والبدء في تنفيذ برنامج للتنمية الشاملة المستديمة المستندة علي العدالة الاجتماعية التي افتقدناها في السنوات الأخيرة. * ما هي في تقديرك أهم الصعوبات التي تواجه المستثمرين لإقامة مشروعات صناعية؟ ** الصعوبة الأولي هي الحصول علي الأرض اللازمة لإقامة المصنع علي أن تكون مرفقة وبسعر مقبول, أما الصعوبة الثانية فهي طول وتعقد الإجراءات للحصول علي رخصة التشغيل, فلابد من الحصول علي الموافقة من المحليات, وهيئة المجتمعات العمرانية والدفاع المدني بما يستغرق بضعة أشهر للحصول علي كل الموافقات, وحينما ينتهي المستثمر من الحصول علي رخصة التشغيل يجد أنها مؤقتة لمدة عام فيبدأ في إعادة الإجراءات من جديد لأنه يكتشف ان مدة الرخصة قد قاربت علي الانتهاء, والحل في تقديري هو جعل رخصة الصناعات الكبري دائمة علي أن تراجع كل خمس سنوات ويتم إصدار الرخص دون انتظار رخصة التشغيل, اما بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمشروعات متناهية الصغر فإن الأمر يستلزم وضع حلول جذرية لمشاكلها وأهمها تخصيص جهة واحدة لإصدار الرخصة خلال مدة قصيرة لا تزيد علي أسبوع واحد.