عنده ألف حق صلاح جاهين عندما قال مصر.. التلات أحرف اللي شاحنة ضجيج فهذه الأبيات هي المعبرة عن حال ما نعيشه من أحداث. ويكفي زيارة لميدان التحرير لتشعر وسط مرتاديه من كبار وصغار بضجيج الغضب لشباب لا يريد سوي حقه في بلده لأنها ببساطة بلده.. تجولنا أمس في ميدان التحرير القريب من أحداث العنف بجوار وزارة الداخلية لرصد ردود الأفعال به وعند أول الميدان يقف بجوار نصبة الشاي مصدر رزقه الوحيد قال أنا في الميدان من يوم25 يناير2011.. يعني من أول يوم في الثورة.. كنت مع الشباب مانا عمري28 سنة يعني زيهم و يري أن الشيء الوحيد الذي تغير في الميدان عن العام الماضي هي الشعارات التي كان يرددها الثوار الكلام والهتاف بس اللي اتغير علي حد وصفه. وحاول مقارنة الوضع الحالي بما كان عليه قبل الثورة قائلا انا ماشوفتش حاجه حلوة في البلد أيام مبارك عشان ابكي عليه وبرضه ماشوفتش حاجة بعد ما مشي عشان اقول في ثورة قامت.. لتظهر ملامح اليأس علي وجهه قائلا انا حاسس اني غريب في البلد ليعود ل أكل عيشه اللي ملوش غيره. وعلي ناصية شارع الشهداء محمد محمود سابقا كان يجلس أبو الثوار كما يلقبه كل من يعرفه.. كان ينعي أولاده الشهداء ويلهب حماس الثوار وعزيمتهم ورغم كبر سنه إلا أنه يري أن من واجبه التواجد وسط أبنائه في هذه المرحلة الحرجة.. بدأ حديثه بنبرة مليئة بالحزن والأسي قائلا هقول ايه.. مفيش حاجه تبسط ولكن في الوقت نفسه يري في الدم الضريبة التي يجب أن يدفعها الثوار لتحقيق ما يريدون.. لكن الحكاية عايزه صبر لخلع النظام من جذوره. وأراد أبو الثوار توجيه رسالة إلي الموجودين خارج الميدان حيث قال أيها الجالسون داخل البيوت خلف صفوف الحريم.. تحصدون ثمار الثورة وتطالبون بالمزيد.. ارجوكم لا تلعنوا الثورة ولا تسبوا الثوار الذين يضحون بدمائهم فداء لكرامة وعزة مصر.. وفجأة بدأت الأصوات تقترب من موقعنا مع أبو الثوار الذي بدأ يتفقد الأحوال ثم عاد ليقول أنا حزين علي اللي بيحصل في محمد محمود كل يوم لازم يخرج منها شهيد. وعلي بعد خطوات من أبو الثوار لمحنا تجمهرا لبعض الأشخاص يتحدثون بصوت عال وكأنها مشاجرة ولكنها كانت مجرد مشادة كلامية أو اختلاف في الرأي ولكنه أفسد للود قضية والسبب أن أحد الموجودين أبدي رأيه فيما حدث من اشتباكات عند مقر وزارة الداخلية قائلا ماكنش المفروض يروحوا عند الداخلية ليرد رجل مسن بدأ كلامه بالحديث عن سنه الذي تجاوز الستين حيث قال فوقوا بقي.. مفيش حاجة اسمها الشباب بيعملوا كده ليه ولا دول بلطجية.. دول عملوا اللي احنا مقدرناش عليه وقبل أن يتحدث الطرف الآخر قاطعه مرة آخري ليقول حرام عليهم بيقضوا علي أحسن جيل طالع ليوافقه رجل لا يظهر من ملامحه سوي شعره الأبيض الكثيف قائلا احنا قلنا عيش وحرية وعدالة اجتماعية.. في حاجة من دول حصلت.. ؟! ليتفرق الجمع ويلحق بنا رجل آخر مسن قائلا مش عارفين نحاكم العصابة ليه لحد دلوقتي مؤكدا أنه لا بديل عن محاكمة المقيمين في طرة حتي نتخلص من رؤوس الفوضي المدبرة.. ماهو مفيش بلطجي بيضرب لوجه الله اكيد بيضرب عشان بياخد فلوس. مجموعة من الشباب اقتربنا منهم وهم جالسين علي سور الحديقة التي تتوسط الميدان وكأنهم في وقت استراحة المحارب فوجوههم التي يسطرها اللون الأبيض المميز من جراء الميكوجيل الذي يضعه المتظاهرون بعد كل موقعة غاز يلقيها في وجوههم رجال الأمن فقابلنا عمر فتحي بأبيات شعر ارتجلها وهو يستريح فقال اهداء لرئيسنا الراحل.. من شعب كان بسيط, اهداء من قلب عايش.. بحلم مات غريق, انت أول رئيس يضيع حلمنا.. انت اول رئيس يكسر نفسنا, كان نفسي جيلنا يبقي من أجيال السادات.. أو حتي عبد الناصر اللي رحل ومات. بجانبه كان هاني شاب مصري ملامحه سطرتها هموم حملها رغم صغر سنه فقرر أن يثور لينفضها عن كتفيه فكان جزاؤه الضرب والغاز المسيل للدموع وغيره من أساليب قمع من يطالب بحقه في حياة يختارها له ولبلده لم ينتظر لنسأله عن شيء وانما بادر قائلا اتفرجي علي الشباب المحترم ولاد الناس اللي بيقولوا عليهم بلطجية وعايزين يقتحموا الداخلية وبيخربوا المنشآت والحقيقة أن اللي بيقتحم وبيولع هما البلطجية اللي هما جايبينهم الفلول علشان يشوهوا صورتنا ويخوفوا الناس للقضاء علي مطالبهم وعدم استكمال ثورتهم من خلال الارهاب والقتل ويظهروا أمام الناس أن الشعب المصري مش علي مستوي الحرية والتغيير يعني ببساطة مش هيقدر يحمل مسئولية ما يطالب به من ديمقراطية. هنا تدخل زميله محمد قائلا احنا لما رحنا الداخلية كان علشان اعلان اعتراضنا علي اللي حصل واخره كان في بورسعيد وراح ضحيته عشرات الشباب وعلي فكرة أهالي اللي ماتوا هما نفسهم لما ابتدا الضرب كانوا بيقولولنا اخرجوا برة من هنا علشان الضرب يقف وميكونش الموت مصيرنا بس المشكلة أن في ناس كتير حقها مهضوم ومش عارفين يستردوه بالعقل والهدوء لأنهم سرقوا حقوقنا غصب عننا ومفيش عقل بيقول أننا ننتظر لما يرجعوها لنا بالذوق لأن ده مش هيحصل أبدا ومع ذلك فنحن لا نزال نتمسك بكون ثورتنا ثورة سلمية للنهاية. واستكمل مفيش حد مننا بيفكر يضرب في الداخلية أو يخون البلد لأننا كلنا وطنيين وبنحب مصر بس هي في النهاية وجهات نظر مختلفة لناس مش فاهمة احنا بيحصل فينا كده ليه؟ هل لمجرد أننا بنطالب بحقنا نموت بالرصاص من اللي المفروض أنهم بيحمونا؟ المحاسب الإسكندراني ياسر الذي جاء إلي ميدان التحرير لأول مرة ليستكشف الوضع علي حد وصفه, أكد أن هناك الكثير من التغييرات التي شهدناها منذ اندلاع الثورة ويكفي ان صوتك يبقي مسموع ووجود مجلس شعب يعبر عنك ومحدش يسرقك زي زمان ثم بادر بسؤالي هو أنا لما اقول مش عايز نار ولا دم ابقي ضد الثورة ؟؟! ولم ينتظر الإجابة بل قاطعني ليؤكد أننا نفتقد صوت العقل الذي يستطيع مساعدة البلد بدلا من هدمها وختم حديثه قائلا صعبان عليا الشباب يضرب في الامن المركزي.. الاتنين مصريين وغلابة وملهمش ذنب.