استمرار للأجواء الاحتفالية لشهر مارس الذي يتم الاحتفاء فيه بالمرأة عالميا يوم8 وبالمرأة مصريا يوم16, وبالأم يوم21, هبت علينا موجات من الأحداث ذات الطابع النسائي وكأنها تمعن في التأكيد علي أن شهر مارس هو شهر نسوي دون منازع. طبعا الحدث الأبرز كان موقف مجلس الدولة الرافض لتعيين المرأة, والذي يؤكد ما يخشاه كثيرون, وهوأن ما تطرحه الواجهة الأنيقة الحافلة بوزيرات وسفيرات ومديرات وسيدات أعمال وغيرهن شيء, وما يجري خلف الواجهة شيء آخر تماما. التاكسي وأنا قبل أيام قررت أن الجأ إلي خدمات التاكسي بديلا عن السيارة التي باتت حملا ثقيلا, ليس فقط في لعبة السيارات المتصادمة التي أجد نفسي مجبرة علي خوضها يوميا في ظل الغياب الكامل لقوانين المرور من جهة وقوانين الطبيعة البشرية من جهة أخري, ولكن لأن مسألة العثور علي مكان لإيقاف السيارة يحتاج إلي كارت توصية من احد كبار رجال الدولة المهم هو أنني ركبت واستقللت التاكسي الذي اخترته موديلا عتيقا أملا في أن تكون السيارة قد انتهي عمرها الافتراضي منذ زمن, وبالتالي يجد سائقها نفسه مضطرا لعدم الخوض في صراع الجبابرة اليومي في لعبة يا قاتل يا مقتول. ورغم عملية الفحص الدقيقة التي أجريتها علي جموع التاكسيات, واختياري لهذه السيارة دون غيرها, إلا أن سائقها الشاب أبي أن يمتثل لعمر سيارته الطاعن أو يحترم هيبتها في وسط زميلاتها من المركبات الحديثة التي تكاد تطير طيرانا وما أن ركبت حتي بدأت رحلة عذاب نفسي وعضوي ومعنوي قاسية. البداية كانت مع شريط للقرآن الكريم أداره الأخ السائق وأطلق العنان لمؤشر الصوت ظنا منه أن بقية السيارات المجاورة لا تملك جهاز تسجيل, ومعبرا بذلك عن كرم أخلاقه وسمو مشاعره في أن يستمع القاصي والداني للآيات القرآنية علي حسابه الشخصي ولأن الصوت كان مرتفعا إلي الدرجة التي يستحيل معها تفسير الكلمات, طلبت منه أن يخفض الصوت ولأنني لا أرتدي الحجاب, ولأنني حييته ب صباح الخير وليس سلامو عليكو, فقد نظر إلي نظرة حادة لا تخلو من قسوة ومشوبة باللوم وقال لي: ده قرآن يا مدام! قالها بلهجة تأنيبية بحتة حتي انني شعرت بأنني ربما تفوهت بكلمة نابية أو غير لائقة. أبيت أن اصمت امام هذا العنف المعنوي, فقلت له: آه طبعا قرآن علي عيني وعلي راسي لكن الصوت عال جدا رمقني بنظرة غاضبة, وقال بصوت مسموع: أستغفر الله العظيم يارب ربنا يهدي! هنا قال الشيخ القارئ صدق الله العظيم, فاستبدل السائق المؤمن الورع الشريط بآخر لمطرب أو مطربة مغمورة فالصوت مخنث, والموسيقي بشعة, والكلمات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها مقيئة. نسيت أن اشير الي أن لحظات الصمت كانت عامرة بالسباب والشتائم لكل من حوله من قائدي السيارات لكن الطامة الكبري حدثت حين فوجئ الأخ السائق الورع بسيدة( غير محجبة) قادها حظها العثر أن تكون أمامه في إشارة المرور الحمراء هنا جن جنونه, فقدأطلق العنان لآلة التنبيه وأخرج كلتا يديه من النافذة مطالبا إياها بالسير. في البداية أشارت له السيدة بيدها إلي إشارة المرور, وكأنها قد سبته نزل من سيارته, وتوجه إليها موجها لها سيلا ثريا بالسباب والشتائم المذيلة بعبارت علي غرار إيه إللي بيطلعكم من بيوتكم الله يخرب بيوتكم؟ العيب علي الراجل الخرع اللي سايبك وغيرها مما تيسر له في هذه الأثناء شعرت بأن ضغطي كسر حاجز ال250, ونزلت وفي نيتي أن أمسك في خناقه ولكن رأيت الغوث علي مرمي البصر عسكري المرور المسئول عن الإشارة والذي بدأ يقترب من المشهد التراجيدي توقعت أن يطلب من السائق رخصه, أو يوبخه علي تصرفاته الهمجية, ولكني فوجئت به يأمر السيدة بالانطلاق بسيارتها لأنها تعطل المرور حاولت السيدة وأنا معها أن نشرح له ما حدث, لكنه قاطعها قائلا: أنا كنت واقف وشفت وسمعت كل حاجة مش قصة يعني يا ستي اتفضلي بقي وإلا هاضطر أسحب رخصك! بدأت السيدة تصيح بأعلي صوتها فما كان من العسكري إلا أن قال لها وهو يضحك: مش عيب ست مؤدبة تزعق كده؟! بقية الحكاية مش مهمة, لسبب واحد, ألا وهو إن مافيش حاجة حصلت فقد انصرفت السيدة ودمها محروق, وذهبت أنا إلي مشواري وأنا أشعر بحالة غضب وسخط بشعة, وتبادل السائق والعسكري تحية سريعة ونظرة بالعين تحمل الكثير من المعاني التي يصب جميعها في كواليس الواجهة واجهة السفيرة والوزيرة والمديرة ونص المجتمع وربع القوي العاملة وثلاث تربع التعليم, وكل هذا الكلام ليست له علاقة بما يحدث في قلب المجتمع, من القاع, مرورا بالقلب, وانتهاء بالرأس. السادة مستشارو مجلس الدولة الذين يشكلون الجمعية العمومية هم صفوة المجتمع, وهم الذين رفضوا بأغلبية ساحقة تعيين نساء في المجلس وأكيد هذا الرفض نابع من فكرة أساسية ألا وهي قناعتهم التامة أن ما يقومون به لا تستطيع النساء القيام به, إذن نحن في حاجة لأن نعرف قناعات المصريين, ونبدأ في التصرف علي هذا الأساس, بدلا من إهدار الوقت والجهد والمال والأعصاب في تمرير القرارات والتعيينات والكوتات جو جو, فتغيير القناعات في حال أردنا لها الاستمرارية يجب أن تتم بمنظومة أرض جو, لأننا نعيش علي أرض الواقع, ولأنه مهما بلغنا من تقدم ورقي ومساواة ونيل للحقوق في الأبراج العاجية, يظل الواقع بعيدا. إجهاض الفقراء وتعقيمهم. أسقط في يدي, كما أسقط في يد وقلب وعقل الكثيرين, حين عرفت أن لجنة الصحة في مجلس الشعب وافقت علي إجهاض أو تعقيم المرأة التي تعاني ظروفا معيشية صعبة صحيح أن نص المادة تحوي عبارات مثل ثبوت تشوه الجنين وإصابة الأم بأمراض من شأنها إصابة الأجنة بالتشوه وغيرها من الاسباب الطبية التي تبدو مفهومة ومنطقية, لكن من غير المنطقي أن يرتبط السماح بالإجهاض أو التعقيم بمستوي اقتصادي بعينه يعني أن نفتح الباب لتعقيم الفقيرات, فهذا شيء غير أخلاقي. وبعدين هل استنفدنا كل السبل والحيل لتنظيم النسل, حتي لم يتبق هناك سوي التعقيم؟! وإذا كانت العقود الثلاثة الماضية أخفقت في إقناع المصريين والمصريات بجدوي تنظيم الأسرة من خلال وسائل مثل حبوب منع الحمل واللولب وغيرهما, فهل يعقل أن نقنعهم بأن يتوجهوا إلي الطبيب المختص ليعقمهم أو بالأحري ليعقمهن وذلك بعد أن ينجزوا عفوا ينجزن الأوراق المطلوبة في دهاليز وزارة التضامن ليثبتن أنهن مش لاقيين اللضا وذلك حتي يخضعن للتعقيم أو الإجهاض؟ معقولة؟ إعلانات نسوية طول ما الإعلانات مصممة علي ترسيخ أفكار سخيفة ورذلة عن مفهوم المرأة, لن تخرج المرأة أبدا من الإطار الذي يصر البعض علي وضعها فيه. وللعلم هو إطار ليس مصريا أو عربيا أو شرق أوسطيا, لكنه دولي تشترك فيه كل شعوب المعمورة. ولكن إذا كنا نتحدث عن ضرورة مصرية لإعادة الاحترام للمرأة المصرية, فعلينا أن نبدأ بأنفسنا. يعني مثلا حين تفشل البنت المسكينة في اصطياد عريس لأنها سمراء, ولا تكلل جهودها بالنجاح إلا بعد أن تستخدم كريم تفتيح البشرة وتصبح بيضاء. وكمان مش معقول نكون بنتكلم عن ضرورة التصدي للتحرش والمعاكسات, وفي الوقت نفسه نرسخ لهذا المفهوم الرذيل من خلال الإعلانات التي تزود الشباب والرجال بالمزيد من الأفكار المبتكرة والمتفردة لمعاكسة الفتيات والإيقاع بهم واعتبارها نوعا من الفكاكة والشطارة, بل إنها تكون إحدي المهام الموضوعة علي لائحة أشياء يجب إنجازها. وأيضا الفتاة التي تعاني تقصف شعرها, فتكتئب وتبدأ في الانعزال عمن حولها إلي أن يجيئها الخلاص عن طريق زجاجة شامبو تمنحها شعرا ناعما في إشارة واضحة إلي أن الشعر غير الناعم قوة طاردة, في حين أن الشعر الناعم يضمن طابورا من المعجبين. المدام عندي مجرد تساؤل: لطالما حاولت أن أفهم المغزي من عبارة المدام عندي ولم أصل فيه إلي إجابة شافية أو تفسير مقنع. كثيرون من الرجال حين يتحدثون عن زوجاتهم يلقبونها ب المدام عندي. طيب إذا كان ذكر اسم الزوجة أمرا غير مستحب, إذ ربما يكون الاسم هو كمان تحول إلي مصدر للإغراء وسببا لإثارة الرجال, فماشي, مش مشكلة. المدام ستؤدي الغرض بدلا من حسنية أو شوقية أو زكية, ولكن إيه حكاية عندي دي؟ يعني هل ممكن المدام تكون عند حد ثاني؟ وهل وجودها عند حد تاني قد يغير من مجري الحديث؟ والحقيقة أنني بذلت جهودا كثيرة لفهم هذا اللغز, وأحد هذه الجهود كان ذا طابع لغوي. فقد أفادني زميلي المدقق اللغوي أن عندي في عبارة المدام عندي تحتمل أحد تفسيرين: إما أن تكون شبه جملة في محل رفع خبر المبتدأ, وهذا أمر مستبعد إذ إن استخدام العبارة يكون في سياق أن المدام عندي بتحب المحشي مثلا أو المدام عندي نكدية, أو ما شابه, وهو ما يعني أن عندي في السياق المقصود لا تتم بمعني الجملة. أما الاحتمال اللغوي الثاني فهو أن تكون عندي شبه جملة متعلق بخبر محذوف تقديره موجودة, وهو الاحتمال الأرجح. وهو ما يعود بنا إلي النقطة صفر, طيب ما احنا عارفين إن المدام أكيد موجودة عنده, يبقي إيه لازمة المدام عندي؟ حد عنده تفسير؟!