الشعب والجيش نجحا بضربة واحدة, وربما تكون قاضية. نجح الشعب المصري في امتحان الانتخابات بالأمس ومن المتوقع أن يستكمل نجاحه اليوم, فاصطف بشكل غير مسبوق في تاريخه وبشكل يفوق اصطفافه في استفتاء مارس الماضي. اصطف في صفوف طويلة أمام المقار الانتخابية مصرا علي الدفاع عن حقه في اختيار ممثليه. والمؤكد أن الأحداث التي شهدتها مصر منذ التاسع عشر من نوفمبر الجاري كانت عاملا مهما في تحفيز المصريين للمشاركة بهذه الكثافة, علها تحمل رسالة إلي المعتصمين في ميدان التحرير الذين باتوا يمارسون نوعا من ديكتاتورية الأقلية في مواجهة السواد الأعظم من الشعب الذي بات لا يري مبررا قويا للاعتصام في الميدان بعدما أعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن موعد تسليم السلطة في الأول من يوليو القادم وبعدما كلف الدكتور الجنزوري لقيادة الحكومة في المرحلة الحالية بديلا عن الدكتور عصام شرف, بل إن المجلس طرح فكرة الاستفتاء الشعبي علي بقائه فإذا بميدان التحرير يرفضها تماما ويؤكد المعتصمون به أن الكلمة هي لميدان التحرير, فانفجر الشعب في ميدان العباسية حاملا رسالة قوية مفادها دعم الاستقرار ومن ثم دعم المجلس الأعلي للقوات المسلحة, علي الأقل لأنه لا بديل للقوات المسلحة في تلك المرحلة. كما يحمل اصطفاف المصريين في طابور انتخابي بهذا الشكل رسالة إلي كل من سخر من غالبية المصريين مطلقا عليهم اسم حزب الكنبة, فإذا بهم يهشمون تلك الكنبة ويستبدلونها بالصناديق وربما بالميادين إذا لزم الأمر وكانت البداية في العباسية25 نوفمبر الجاري. وثالثا فإن الاصطفاف في الطابور يؤكد إصرار المصريين علي ممارسة حقهم رغم كل ما قيل عن صعوبة النظام الانتخابي وعن الانفلات الأمني الذي قد يدفع المصريين للإحجام عن النزول. ورابعا في الاصطفاف في الطابور بهذا الشكل يؤكد خطأ القوي السياسية التي انصرفت عن الشارع وتدثرت بميدان التحرير وشاشات الفضائيات, تاركة المواطنين لتيارات أخري يتخوف منها المعتصمون في الميدان. وهكذا نجح الشعب بطوابيره الانتخابية في هزيمة العديد من القوي السياسية وفي دحض الكثير من الأقاويل التي يصر البعض علي ترديدها وكأنه لم تقم ثورة شعبية في مصر. علاوة علي ذلك, فإنه إضافة إلي أن الطابور دليل علي التحضر وحب النظام, فإنه يعني أن لدي المصريين من الصبر ما يكفي طالما تأكد أن الهدف سيتحقق في النهاية. أما الجيش فنجح لأنه كسب الرهان. راهن الجيش علي قدرة المصريين ورغبتهم في ممارسة حقهم للبدء في عملية إعادة الاستقرار, وراهن علي أن تلك الرغبة كفيلة بتأمين العملية الانتخابية, وأصر علي إجراء الانتخابات في موعدها علي مسئوليته الكاملة وتشكك الكثيرون في قدرة الجيش علي ذلك وظلوا يترقبون حتي ساعات قليلة قبل بدء الانتخابات أن يعلن المجلس العسكري عن تأجيل الانتخابات, ولكنه لم يفعل, بل وقرر أن يتم الانتخاب علي يومين تيسيرا علي المواطنين وإتاحة فرصة أكبر لهم للتمكن من التصويت رغم ما يحمله ذلك من أعباء إضافية. وفي تقديري فإن نجاح الجيش ليس فقط في إجراء الانتخابات في تلك الأجواء, بل نجاحه في إعادة بناء ثقة المصريين في قدرة القوات المسلحة علي تأمين هذا الوطن داخليا وخارجيا, وهي الثقة التي حاولت أطراف عديدة النيل منها. باختصار فإن خروج الانتخابات بهذا الشكل الذي خرجت به يؤكد أنه لا بديل عن أن يكون الشعب والجيش ومعهما الشرطة إيد واحدة, والأهم أن نجاح الانتخابات قد أشاع جوا من التفاؤل وأعاد البسمة إلي وجوه المصريون, وهو أمر لو تعلمون عظيم وجوهري لعبور تلك المرحلة وصولا إلي ما حلم به المصريين يوم الحادي عشر من فبراير الماضي.