المجلس العسكري يحاول ببطء أن يصحح أخطاءه والمحاولة شيء طيب, ودعوته للشخصيات ذات الوزن للمشاركة في تحمل أعباء المرحلة علامة علي شعوره بالمشكلة, وليس مصادفة أن يتم اختيار كمال الجنزوري الآن. فهو أكثر رئيس وزراء يحوز ثقة واحترام المصريين في عصر مبارك, ليس فقط بكراهية مبارك الظاهرة له بل بقوته ونزاهته, وقد سميت حكومته وقتها بحكومة مصالحة المواطنين وهذا علي مايبدو أقلق مبارك, وقيل إنه خاف من تزايد شعبية الجنزوري, فأقاله, لكن تفاصيل وزارة كمال الجنزوري التي طالت من4 يناير1996 إلي5 أكتوبر1999 كثيرة ومتشعبة, الجنزوري اشتهر بأنه مهندس المشروعات الكبري, مشروع توشكي, ومشروع تعمير سيناء باعتباره الأكثر أهمية للأمن القومي المصري, إضافة إلي إقامة الأنفاق والكباري تحت وفوق القناة لكسر جدار العزلة التي فرضت عليها طويلا, ومشروع الخط الثاني لمترو الأنفاق, علي الرغم من ذلك, مثلت بعض هذه المشروعات جدلية كبيرة بعد خروجه من الوزارة بشكل مفاجئ, ولايعرف أحد لماذا توقفت بعد إقالته خاصة مشروع توشكي. عندما سئل الجنزوري بعد الثورة عن سبب إقالته, قال إنه يؤمن بأن رئيس الوزراء يجب ألا يستأذن من رئيس الجمهورية عند اتخاذ القرارات, وكذلك الوزير يجب ألا يستأذن من رئيس الوزراء, ولكنهما يحاسبان علي قراراتهما بعد ذلك, وانه كان كرئيس وزراء حقيقي وليس مجرد سكرتير للرئيس, هذا الرد قد يفسر حدوث نوع ما من التصادم بينه وبين الرئيس. عاملان هما أكثر مايقف عائقا ضد التوافق علي اختيار الجنزوري: الأول عمله مع مبارك, فلا أحد يستطيع أن يبرر أن يعمل في نظام ينهب الدولة ويقول انه لم يكن له يد في الفساد, العامل الثاني هو تقدمه في السن وبعده عن روح العصر وعدم ملاءمة ذلك تطلعات أصحاب الثورة الحقيقيين من الشباب, لكن اختياره قد يكون أفضل من الاستمرار في الدوران حول المكان, اختيار كمال الجنزوري ليس به أي خيال ولا سعة أفق من جانب المجلس, لكنه يبرز كمحاولة للبحث عن رجل قوي, المجلس العسكري لايبدو طامحا للسلطة وإن كان يحاول أن يستفيد منها ويسانده ترزية قوانين غير محترفين, لكن نهجه السياسي يغلب عليه التردد وكثرة الإخطاء, وهو بلا شك المسئول الأول عن تردي الأوضاع منذ نجاح الثورة. أعتقد ان أمام الجنزوري الآن أجندة طويلة تبدأ وكأن الثورة قد انتهت أمس, ففترة حكومة عصام شرف لن تحسب ولا توجد فيها خطوات حركت مصر للأمام بشكل ثوري, نعم انجزت الحد الأدني من الأشياء المدفوعة بالمليونيات, الباقي مجرد كلام مثل الحد الأدني للأجور وعدم الاقتراض من الخارج وهيكلة الشرطة التي اقتصر علي تغيير لافتة جهاز أمن الدولة وغيرها من خطوات ديكورية. الجنزوري يجب أن يضع خطة لمعالجة أسباب خروج الناس للشوارع في يناير الماضي وهذا الأسبوع وأن يبدأ بخطوات أربع: الأولي: إعادة الثقة بين الدولة والشعب, فيجب أن تركز الحكومة علي تحقيق هدف تاريخي يحسب لها وهوالمحاسبة ويكون عنوان حكومة الجنزوري هو المحاسبة, وجدية النظام سوف تترجم في قدرته علي المحاسبة, محاسبة قتلة الثوار بدءا من25 يناير حتي25 نوفمبر, محاسبة كل من قتل وأصاب المتظاهرين هذا الأسبوع, فدماء الناس ليست مباحة, يحاسب الجميع, من أفسد أجهزة الدولة, من وزع أراضي الدولة ويتم استردادها منهم والإعلان عن برنامج زمني لتنظيم هذا الأمر. الثانية: سوف تشعر الناس بالتغيير, هي السيطرة علي الداخلية وأجهزتها وعقليتها البالية وفتح الباب للسيطرة علي الأمن في ربوع مصر. الداخلية لديها الآلاف من الضباط الأكفاء ينقصهم التدريب علي احترام حقوق الإنسان ونظام مراقبة قوي, ولديها جهاز تفتيش يمكن أن يضع علي رأسه شخصا قويا لديه ضمير يقوم بضبط ممارساتها, لقد شوهت الداخلية سمعة مصر بخروجها علي كل مبادئ الانسانية وإذلالها الناس في غياب كامل لأي محاسبة ومراجعة. الثالثة: هي تعويض أهالي الشهداء والمصابين وأيضا أصحاب الأعمال التي توقفت وانهارت من مغبة الأحداث, وهذا الأمر هو أسهل مايواجهه الجنزوري. الرابعة: هي ضخ مبالغ كبيرة ويسرعة في مبادرة اقتصادية تركز علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يملكها الناس العاديون, بعض الأموال التي يمكن أن تحرك الاقتصاد الشعبي غير الرسمي وبالتالي يبدأ الناس في العمل وتدب الدماء في الروافد الاقتصادية ويمكن تمويل هذه المبادرة بتجميع الأموال من الصناديق التنموية العربية والغربية واستثمارات المصريين بالخارج. إذا طلبنا من الجنزوري أكثر من هذا فسوف نكون ظالمين وغير منصفين خاصة أن بقية الملفات ذات بعد زمني قد لايمتلكه لكني أتمني أن يوفر له من الصلاحيات مايمكنه فعلا من الحفاظ علي هذه القوة والاستفادة منها في تحريك الدولة للأمام, وأن يعتبر الجميع أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإعادة الدولة إلي الحياة.