ليست الثورة عنه ببعيد, فمن بين مصابي الثورة كان ابنه عبد الله, المصور الفوتوغرافي الذي أصيب مرتين, الاولي خلال تظاهرات جمعة الغضب , والثانية خلال اقتحام ثوار الاسكندرية لمبني أمن الدولة المنحل. لهذا أتت رسوم عصمت داوستاشي في معرضه الأحدث قبل وبعد الثورة قريبة ومختلفة في احتفائها بأحداث ثورة الخامس والعشرين وشهدائها. في هذا المعرض لا تتوقف الثورة عند الايام الثمانية عشر الاولي التي بدأت بالخامس والعشرين من يناير, وصولا الي الحادي عشر من فبراير حيث أسقط الثوار الرئيس السابق حسني مبارك. لكن الثورة تمتد في معرض داوستاشي امتدادها للحظة الراهنة التي يصفها بقوله: نحن الآن في مرحلة غامضة, تثير الكثير من التشاؤم والإحباط, لكن ثقتي في الشباب القابضين علي جمر الثورة تنقذني من الوقوع في الفخ الذي وقعت فيه قبل شهر واحد من ثورة الخامس والعشرين من يناير. فقبل شهر واحد من الثورة وقع داوستاشي باسمه مسطحا أبيض فارغا حسبه الفنان آخر لوحاته. يقول داوستاشي بعد أعوام من محاولة استنهاض الثورة في القلوب عبر الفن, وخاصة من خلال مشروعي معرض في كتاب, ظننت أنني وصلت كما مصر الي طريق مسدود. لم تعد بي طاقة ولا رغبة بممارسة الفن, وظللت كذلك حتي رأيت موقعة الجمل أمامي علي الشاشة. أخرجتني دولة المماليك الجديدة التي اقتحمت أجساد الشباب الثائر بالجمل والخيول والسيوف من حالة التوقف الفني والاحباط التام ويتابع: رأيت الشباب يواجهون بهتافاتهم وصدورهم العارية وأيديهم المجردة من السلاح تلك الهجمة القادمة من القرون الوسطي, فعدت لحمل فرشاتي بعد أن حركني هذا الحدث الاستثنائي. المعرض الذي يشهده مركز محمود سعيد بالاسكندرية, يضم لوحات عدة من بينها ماقدمه الفنان في ثلاثة معارض بالقاهرة حملت أسماء: آخر لوحات حامل الرسم, و معرض في كتاب, واخيرا قبل وبعد الثورة, وهو المعرض الرئيسي الذي افتتحه د. صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية مساء الجمعة الحادي عشر من نوفمبر الجاري. ويضم المعرض لوحتين كبيرتين تحملان وجوه شهداء الثورة, بالاضافة للوحة تصور عبد الله نجل الفنان الذي تعرض للاصابة مرتين خلال مشاركته في المعارك التي خاضها الثوار من أجل إسقاط النظام ورموزه. الي جانب لوحة تحية للشهداء التي تصور تحية اللواء محسن الفنجري لشهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير. وأخيرا لوحات يسميها داوستاشي باحباطات الثورة في إشارة لما تعانيه الثورة المصرية حاليا من محاولات للاعاقة والتقويض عبر قوي مختلفة, وتمثل هذه اللوحات قسما رئيسيا بالمعرض. التفرد في لوحات معرض داوستاشي لا يأتي فقط من معايشة الفنان بنفسه لأحداث ووقائع الثورة, بل جاء أسلوب إبداعه هذه المرة مختلفا عن المعتاد, فأكتفي الفنان بألوان العلم الثلاثة( الأحمر والأبيض والأسود), ولكن الأخضر يتسلل علي استحياء كما يصفه الفنان ليشغل مساحات بسيطة في بعض اللوحات. أما خطوطه ذاتها فأتت مغايرة تماما, فكانت أكثر بساطة, وخالية من الزخارف التي يعتمدها داوستاشي المنشغل بالفن العربي في التصوير. يقول داوستاشي: أتت الرسوم شبيهة بروح الثورة في عنفوانها واندفاعها, استخدمت ألوان العلم واعتمدت علي الضربات السريعة للفرشاة العريضة, وهو اسلوب مخالف تماما لما كنت اتبعه في رسومي السابقة. ويتابع هذه الرسوم أتت حاملة ومعبرة عن روح مختلفة, فكان لابد أن تمتاز بالتفرد ذاته علي المستوي الفني.