علي الرغم من أنه لا يوجد شك في أن قرار الجامعة العربية في الحادي عشر من نوفمبر الحالي قد جاء لممارسة مزيد من الضغط علي النظام السوري للتعامل بإيجابية مع المبادرة العربية التي أعلن موافقته عليها في الثاني من نوفمبر الحالي. وعلي الرغم من أن وصول الجامعة لهذا القرار بشبه إجماعا عربيا يعد تطورا كبيرا في موقف الجامعة لم يكن من الممكن تصور إمكانية حدوثه بسهولة مع أنها المرة الثالثة التي تتخذ فيها الجامعة مثل ذلك القرار, إذ سبقه قرار بتعليق عضوية مصر في عام1979, وقرار بشأن ليبيا في الثاني والعشرين من فبراير من العام الحالي, فإن ذلك القرار يضع الجامعة أولا في مأزق لا يوجد في الجامعة من يعرف كيف يمكن أن تخرج منه الجامعة. فالجامعة لا تملك أوراقا للضغط أكثر من ذلك إلا التجميد الكامل لعضوية سوريا في الجامعة, وهي الورقة التي لا يمكن أن تكون فعالة لدفع النظام السوري لتغيير موقفه. أما علاقة الدول العربية فرادي بسوريا فلا تستطيع الجامعة أن تتدخل فيها, ومن ثم فضلت في قرار التعليق أن تدعو الدول العربية لسحب سفرائها من سوريا تاركة القرار لكل دولة في ضوء ما تفرضه عليه مصالحها وعلاقاتها بسوريا. ومن هنا يثور التساؤل الأساسي: ماذا لو أصر النظام السوري علي موقفه وتمادي في تحدي الرغبة العربية باستخدام المزيد من العنف ضد المدنيين؟!. بالطبع إذا حدث ذلك وهو الأمر الأكثر ترجيحا فإن الجامعة العربية لن تستطيع أن تقف صامتة وستكون مطالبة أمام الرأي العام العربي بأن تتحمل نتيجة قراراتها ونتيجة عجز الدول العربية مجتمعة أو فرادي علي التدخل في الشأن السوري لإجبار الأسد علي إيقاف العنف أو حتي التنحي استجابة لرغبة المعارضة. وحيث أن الجامعة لا تمتلك كما سبقت الإشارة أي أوراق أخري للضغط وليس لديها ما تحركه من قوات عسكرية, فستجد نفسها مضطرة لطلب العون الدولي علي الأقل من خلال الأممالمتحدة. وهو الأمر الذي ألمح إليه علي استحياء الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي حين أشار إلي نيته التوجه لمنظمات الأممالمتحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان لطلب العون في حال استمر الوضع علي ما هو عليه. ومع ذلك الأمر إلي البداية الفعلية لطلب التدخل الدولي ضد سوريا. وحينما تبادر الجامعة العربية بذلك تكون كما فعلت مع ليبيا قد وفرت الغطاء الشرعي للتدخل الدولي في سوريا. ولن يكون باستطاعة الجامعة ودولها أن تحدد مدي أو طبيعة ذلك التدخل. ففي الحالة الليبية أعطت الجامعة الغطاء لتنفيذ حظر جوي علي الأراضي الليبية, فإذا بالأمر وقد تطور لتدخل عسكري كامل من قبل حلف الناتو عبر ضربات جوية مركزة حتي تم إسقاط العقيد القذافي وقتلة. بتعبير آخر فإنه إذا كان من حق جامعة الدول العربية أن تطلب التدخل الدولي لتنفيذ مهمة معينة, فإنها لا تملك أي آلية للحيلولة دون تطور ذلك التدخل ليشمل أي مهمات أخري. وإذا كان العقيد القذافي لم يعبأ في السابق بقرار الجامعة العربية واستمر في تحديه وتحدي المجتمع الدولي, فمن المؤكد أن الرئيس بشار الأسد سيستمر في تحدي الجامعة العربية بينما المواطنون السوريون يدفعون الثمن, ويصر المجلس الوطني السوري المعارض علي طلب الحماية الدولية للمدنيين السوريين. بل إن التدخل الدولي الذي ما زال احتمال حدوثه مستبعدا ربما يكون بمثابة طوق النجاة الذي يقذفه العرب والمجتمع والدولي للرئيس الأسد ليستغل التدخل الدولي في حال حدوثه لينقل المعركة إلي الخارج والخارج هنا هو إسرائيل. وعندئذ ربما يصطف كثيرون من خلفه, دولا وشعوبا, فكل طلقة باتجاه إسرائيل من سوريا وبعد انتظار طال لمدة تزيد علي الأربعين عاما ستعني دولة أو شعبا أو حركة أو حزبا ينضم للرئيس الأسد في المعركة التي سيصورها ونظامه علي أنها المعركة المقدسة الأخيرة ضد الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية لاستعادة الحقوق السورية والفلسطينية. وعندئذ تلتهب المنطقة بأكملها. وهو الأمر الذي يحذر منه الرئيس الأسد ويتصور أنه العامل الأساسي الذي سيمنع عنه التدخل الدولي, فالدول الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدة تدرك جيدا مخاطر التدخل الدولي في سوريا, وتدرك أنه لن يكون بحال من الأحوال شبيها بما حدث مع ليبيا. فلا الموقع الاستراتيجي لسوريا مثل نظيره الليبي ولا الجيش السوري يشابه الجيش الليبي. ومع ذلك فإن رهان سوريا ومعها جامعة الدول العربية علي صعوبة التدخل الدولي ضد سوريا علي نحو ما حدث لليبيا ولا يجب أن يتحول ليكون رهانا علي استحالة ذلك التدخل. فكم من القيادات دولية وعربية وإقليمية فقدت عقلها في لحظات معينة واتخذت قرارات كان الجميع يظن أنها مستحيلة. والخيار شمشون يبدو ماثلا بشكل دائم أمام القادة الذين يواجهون مواقف معقدة كتلك التي يمر بها النظام السوري.