يصادف اليوم2 نوفمبر ذكري مرور94 عاما علي وعد بلفور المشئوم, ففي ذلك اليوم من عام1917 م ارسل وزير خارجية بريطانيا بلفور رسالة إلي ريتشارد كبير اليهود, تتضمن وعدا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين, فقامت الثورات في يافا والقدس ومدن وقري فلسطين, تنديدا بالوعد البريطاني, وظلت المقاومة حتي احتلال فلسطين1948 م, ولم يكن امام الفلسطينيين بعد ان خابت امالهم بالانظمة العربية حينها, سوي لملمة جراحاتهم والبدء بإطلاق الكفاح المسلح, ففي1965 م انطلقت حركة فتح وتبعتها المنظمات الفدائية تحت شعار الكفاح المسلح هو اقصر الطرق لتحرير فلسطين لكن هذا الشعار وإن حقق مبتغاه, بان وضع القضية الفلسطينية في صدارة الصراع الدولي, فضلا عن انه انهي الخرافة التي طالما تفوه بها القادة الصهاينة مقولة ارض بلا شعب, فإنه لم يحقق حتي اللحظة الهدف الذي علي اساسه بدأ الكفاح المسلح ألا وهو تحرير فلسطين. وعلي مدار عقود مضت, تغيرت المفاهيم, وتبدلت الاساليب والتي بموجبها تقوم حركات التحرر للانعتاق من الاحتلال وقبضته, كان السلوك الأول لجميع الثورات في تصديها للاستعمار هو الكفاح المسلح, حيث حقق ذلك مبتغاه لدي كثير من الشعوب التي نالت استقلالها, ومع التغير الهادئ في موازين القوي الدولية, من الثنائية إلي الاحادية القطبية, تغير مفهوم التحرر ايضا, وتطور مفهوم الثورات بالمقابل, فأصبح نموذج التحرير غير خاضع للبندقية بمفردها, بل دخلت اساليب جديدة اوجدتها طبيعة البيئة الداخلية والدولية لتلك الشعوب, فنموذج الثورة الذي تحررت جنوب افريقيا بموجبه, اختلف عنه في الهند عندما اطاحت ثورة غاندي ببريطانيا العظمي والحال كذلك في أوروبا الشرقية واسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. ظل خيار البندقية سلوكا استراتيجيا لعشرات السنين في ايدي الفلسطينيين, ثم تراجع للوراء بينما تقدم خيار التسوية, فوافقت القيادة الفلسطينية علي التفاوض المباشر مع الاحتلال, استجابة للضغوط العربية والدولة ما ادي إلي حدوث انقسامات حادة بين الفلسطينيين انفسهم والعرب جميعا حول خيار البندقية وخيار التسوية. فشقت القيادة الفلسطينية طريق المفاوضات, دون وجود اي غطاء دولي فيما يتعلق باجبار إسرائيل علي تنفيذ التزاماتها, ما ادي إلي توقيع اتفاقيات مرحلية عكست الخلل الواضح في ميزان القوي ولم تفلح المفاوضات في انهاء الصراع, والتحرر من قبضة الاحتلال ثم كرست مفاوضات انابوليس عام2008 م فشل هذا الخيار في ظل حالة الانقسام السياسي بين الفلسطينيين, بينما اصرت المنظمات الفلسطينية علي المقاومة المسلحة انطلاقا من رفضها الحل علي اساس التسوية, وهذا الخيار ايضا لم يؤت ثماره, فللأسف لم تفلح المقاومة في ردع الآلة العسكرية الإسرائيلية اثناء حرب غزة ديسمبر2008 م او حتي تكبيدها خسائر فادحة لا بالارواح ولا بالمعدات! بينما ظلت فلسطين تئن تحت وطأة الحصار والدمار, وهو ما يعني ان خيار البندقية بمفرده لم يفلح في تحقيق الهدف المنشود. ان انفراد اي من الخيارات سواء التسوية أو البندقية أو غيرها في إدارة دفة الصراع, لن يفلح في تقديم شيء ملموس علي الأرض فالمفاوضات بحاجة إلي بندقية تحميها, بينما البندقية غير المسيسة قاطعة الطريق, وبالتالي يجب ان لايطغي اي منهما علي الآخر. هذا الامر يجعلنا نعود إلي خيارات اقل خسارة وأكثر فائدة للفلسطينيين, فهناك حالة المقاومة الشعبية التي استخدمت ابان انتفاضة1987 وتستخدم الآن في بلعين وقري الضفة, وكذلك نموذج المقاطعة الاقتصادية لمنتجات المستوطنات, حيث شعر الاحتلال الإسرائيلي بخطورة الموقف عندما فرضت السلطة الفلسطينية عقوبة قاسية بحق من يتعاطي مع منتجات المستوطنات سواء بالشراء أو بالنقل, واعتبرت ذلك خرقا للقانون, وهو ما هز اقتصاد هذه المستوطنات التي اعتمدت كثيرا علي العامل والسوق الفلسطينية. والآن: بعد مرور94 عاما علي وعد بلفور المشئوم, وعجز الفلسطينيين ومن خلفهم العرب عن استرداد شبرا واحدا من فلسطين, فانهم مطالبون بوضع تقييم شامل, ودراسة جميع اساليب المقاومة المعلنة وغير المعلنة تحت غطاء المقاومة الشاملة, ومفهوم المقاومة الشاملة هنا هو استخدام الثقافة التعليم والاقتصاد والإعلام والدبلوماسية والرأي العام الدولي والقانون الدولي وغيرها من ادوات واساليب وقبل ذلك يجب ازالة كل اثار الفرقة وشوائب الانقسام وازاحة ثقافة التخوين بين الصفوف, باعتبار ان اختلاف الاساليب ليس بالضرورة يكون خلافا حول الهدف الوطني, كما ان الوحدة الفلسطينية وان كانت مهمة علي طريق الاستقلال, يجب ان توازيها وحدة عربية ودعم كامل لمشروع المقاومة الشاملة, ما سيعود بالاثر الكبير علي مسيرة الصراع ان كل ذلك يجب ان يأتي في سياق السؤال لانفسنا: كيف لنا ان نستعيد ما فقدناه في ذكري وعد بلفور المشئوم؟