الأهرام المسائي.. شاهد عيان في معبر طابا.. سيارات بأرقام إسرائيلية تدخل حتي شرم الشيخ! إذا لامفر.. العدو امامنا والمباحث خلفنا.. هكذا كانت بالونات الافكار تتصاعد من رأسي مع هذا الصوت الرخيم الذي ارسله ضابط المباحث من خلفي وانا أبدأ الاعداد لأول المناقشات علي الحدود مع سائقي سيارات الاجرة بمعبر طابا وأخذا بالحكمة القائلة ان لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا. التفت إليه وانا احاول جاهدة أن ارسم كل ملامح عدم الاكتراث, عاقده حاجبي ولكن الأمر العجيب والذي اربك كل حساباتي واستعدادي النفسي هو تلك الابتسامة التي ارتسمت علي وجهه, ابتسامة لم اعهدها من ضباط الشرطة, بالطبع ليست كتلك التي ترسم علي وجوههم لترسل كل مشاعر التعالي كإعلان عن بداية الكعب الداير والاسئلة التي لاتنتهي وكأنني مسجلة خطر متلبسة بذخيرة حية من الاقلام والأوراق والكادرات المصورة. استمرت الابتسامة علي وجهه طوال تلك المدة التي عانيت فيها التقاط طرف حديث يجعلني ابدو غير مكترثة, فأربك حساباتي مرة أخري حين عرف نفسه في أدب بالغ وذوق جم, انا احمد عزمي من مباحث قسم العريش, وقد نما إلي علمي وجود حضراتكم بالمعبر وكان لابد أن احضر إلي هنا ومستعد لتقديم اية مساعدة تحتاجون إليها فيما تقومون به من عمل صحفي. ازدادت حيرتي في أمر هذا الشاب الذي نزعت ابتسامته من صدري كل التوجس والريبة, بل نزعت كلماته المنمقة وذوقه الرفيع في الحديث تراث ثلاثين عاما من سلوك الشرطة فأجبته مقتضبة شكرا.. كسرت اجابتي حاجز الصمت ليسألني مرة اخري وهل لي ان أعلم ان كنتم تبحثون عن موضوع معين أو مشكلة ما؟ فأجبته دون تردد أو تفكير مكررة شكر, بما يعني رفضي لتدخله في عملي فعادت ابتسامته مرة اخري ليكمل بحديثه بث الطمأنينة في قلبي ليقول أنا اسأل فقط حتي اري ان كان هناك ما يمكنني مساعدتك فيه, ولكن دعيني اقول لك ان البشر هنا مشاكلهم اكثر مما قد يصوره القلم والأوراق, واستطرد: علي العموم يا استاذة انا موجود في مركز الشرطة وارجو قبول دعوتي لاحتساء كوب شاي ان كان لديك وقت, واكرر سيناء كلها تحت امرك وان وجدت أي عائق هنا ابلغيني وسأحاول جاهدا تذليله. شكرته وودعنا وذهب, تاركا حيرة اكبر لدينا.. نحن علي الحدود مع الكيان الصهيوني وهذه منطقة ساخنة وكل شبر في هذا الأرض سبق صحفي مستقل, وهذا الشاب المحترم ضابط مباحث في هذه المنطقة تركنا امام ابواب مفتوحة لنبحث عما شئنا بل عرض المساعدة, والأدهي من ذلك انه دعانا إلي كوب من الشاي حسنا لنبدأ التفتيش عن المجهول في هذه الأرض ولنفكر فيما بعد في أمر هذا الضابط. عدت مرة اخري إلي جلسة السائقين ولم يكن أيهم قد حرك ساكنا الجميع بقي في جلسته منتظرا يوفر كلمات الترحيب القصيرة ليبدأ عم عودة عطية الحديث وكأنما يضع بين يدي حل لغز ضابط المباحث قائلا.. الوضع بعد الثورة هنا اختلف يا استاذة, قبل الثورة كان فيه مشاكل كثيرة من أول الحكومة التي كانت تضيق علي كل سائق هنا وكأنما هي شغلتهم التي يتقاضون مرتباتهم مقابل تنفيذها, أو الشركات الخاصة التي طالما كان الاحتكار هدفها المتحقق دونما ادني مشقة, اما احنا فكنا ولاد البطة السودا, الكل يلطش فينا زي مايحب ويجاملوا بعض علي قفانا. سألته عن نوعية الشركات التي يتحدث عن احتكاراتها هنا؟ فأجاب شركات السياحة طبعا واستطرد في طابا كان لدينا6 شركات سياحة تعمل هنا دون اي رقيب أو حسيب, وكانت جميعها تدخل إلي قلب الحدود وتستقبل السائحين من قلب إسرائيل ليدخلوا مصر دون ان يستفيد منهم اي فرد سواهم وكانوا يتركون الزبون التعبان المفلس لنا. وانطلق خلفه سالم أبو سلام منفعلا. منه لله علاء حافظ هو المسئول عن كل ده لما كان ماسك غرفة السياحة في القاهرة. سألته لم علاء حافظ بالتحديد؟! فقال.. هو من كان يسهل لهم الحصول علي التصاريح ليدخلوا إلي الناحية الأخري من الحدود لصيد الزبائن بالتعاون مع امن الموانئ فيحضروا هنا بالليموزينات ويمرون بالزبائن امام اعيننا, واستمر قائلا لكن الوضع بعد الثورة تغير تماما فعلاء حافظ الآن لديه ما يكفيه من مشاكل مع البنوك كما سمعنا وشركات السياحة الاحتكارية عادت إلي الفنادق في شرم الشيخ. وهنا تحدث ابراهيم سلامة قائلا: ليس صحيحا ان الوضع تغير تماما فأصحاب شركات السياحة مازالوا يشوهون صورة سائقي الاجرة بالمعبر ويقولون عنهم ماليس فيهم كي يخيفوا السائحين من التعامل معنا, ومازالوا يمنعون سائقي الاجرة من ارتياد الفنادق. استوقفني حديثه عن المعبر لأبدأ الدخول إلي المنطقة الحرجة.. السياحة الإسرائيلية, سألته عن الجنسيات التي يتعاملون معها علي معبر طابا, فأجاب بدون تردد السياحة في المعبر مقصورة علي السياحة الإسرائيلية لان السياحة الأوروبية تأتي عن طريق الطيران لانه ارخص كثيرا بالنسبة للأوروبيين. ابتسم حمدي عاشور ابتسامة فيها الكثير من الاستسلام يا استاذة ليس بيدنا ان نختار السائحين لسنا من كتب المعاهدة ونحن نستقبل ايضا عرب48 من المعبر, ويكفي ان كل سائق منا له ملفات في أمن الدولة قبل حلها طبعا بادرته وكيف هو حال المعاملة بينكم وبين السياح الإسرائيليين؟ فأجابني بصراحة بيلابطوا في الحساب. وهنا بادر سليمان 23 عاما في احدي المرات كنت اقل سائحا إسرائيليا ولابط في الحساب شخطت فيه سكت لانهم شعب جبان وبيخافوا منا جدا. ومع ذكر عرب48 كان لابد وان اتساءل عن رأيهم في مصر بعد الثورة وفي ثورة25 يناير لجيبيني ناصر عجر: عرب48 مبسوطين من الثورة لكن اليهود كارهينها وكانوا يروجون شائعات عن ان مصر اصبحت مليئة بالبلطجة والسرقة والقتل. بعد هذه الاجابات كان علي ان اسألهم.. واين كنتم وقت الثورة من يوم25 يناير إلي يوم التنحي؟ ويجيبني حمدي: ساعة الثورة مشينا من سيناء كلها وعدنا إلي قرانا ومحافظاتنا والتزمنا لمدة تزيد علي الشهرين, ولكن ذلك ليس معناه اننا كنا من اتباع حزب الكنبة فالحقيقة اننا مرتبطون بالميدان يقصد ميدان التحرير وبكل ما كان يحدث فيه لان له فضلا كبيرا علينا من أول رحيل النظام وحتي رحيل شركات السياحة وشرطة السياحة التي كانت تتواطأ معهم ضدنا. تساءلت وكيف تسير الأمور الآن؟ فقال نصار علي العمل يكون جيدا جدا في وقت أعيادهم, ولكن الآن مافيش شغل والحقيقة اننا الذين أنشأنا هذا الموقف بالجهود الذاتية بنينا مسجدا ودورة مياه والمحافظة بنت لنا كافيتريا, ولاختصار ما حدث في الموقف والشغل دعيني اقل لك ان الموقف كان به250 سيارة والآن نحن20 سائقا وسيارة فقط والبقية رحلوا بحثا عن مكان اخر. فقلت لهم وكيف تكونون راضين عن الثورة إذا كنتم كما قلتم والحال أسوأ من الناحية المادية؟ فأجابني حمدي عاشور: الحكاية بسيطة ياأستاذة الثورة كانت بإيدينا وعملناها عشان البلد تكون احسن ونقدر نبنيها زي ما نحب عشان تخدم الكل والخير يعم وعلشان كده لازم نستحمل شوية قلة الشغل, لكن قبل الثورة كان فيه ايام اسوأ من كده من ناحية الشغل والماديات وكمان امننا احنا, فمثلا في ايام احداث طابا وإيلات كانت الحالة ضنك والقبض والاعتقال للي جاي واللي رايح رغم اننا في حالنا ومالناش دعوة بحد ولا لينا يد في اللي حصل.وهنا بادر محمد خيرت: يا استاذة انا حاصل علي بكالوريوس تجارة وأعمل هنا بالموقف لان اللي رمانا علي المر هو اللي امر منه, والحقيقة رغم اننا في حالنا لكننا نشعر ان الجميع يحاربنا في لقمة عيشنا البسيطة, فلا يوجد اي اهتمام بالموقف ولابتنمية طابا كلها فهل يعقل ان يكون لدينا محطة كهرباء في طابا تصدر الطاقة إلي تركيا وسوريا والأردن ومعظم طابا ليس بها كهرباء؟ هل يعقل ان يدبروا هم عمليات الإرهاب والتفجيرات ونتحمل نحن مسئوليتها؟ هل يعقل يا استاذة ان تكون طابا بجلالة قدرها قرية والحقيقة انها تستحق ان تكون مدينة لرفع ميزانيتها لكي نستغل مواردها بشكل جيد, ولكي تتم تنمية الموارد الزراعية والصناعية التي يمكنها رفع معيشة ابناء طابا بدلا من الاهتمام المفرط بالسياحة الفندقية والخمسة نجوم والتي تزيد الغني والفقير فقرا. ويقطع مصطفي عبدالسميع عامل نظافة حديثنا ليقول: ان عمال النظافة بالمعبر ايضا يعانون فالمرتبات لاتزيد علي450 جنيها ومطلوب منا ان نأكل ونشرب ونعيش ونسكن بهذا المرتب الهزيل. توقفت كلمات الرجل بعد ان شعر بيدين الفهما جيدا, هما يدا ضابط شرطة السياحة الذي بادره بالسؤال هو فيه مشكلة ولا حاجة؟! اصررت علي إعادة السؤال علي مصطفي فأصر بدوره علي اعادة الاجابة مرة اخري وكأن لسان حاله يقول العمر واحد والرب واحد. ومع هذه الاجابة غادرنا معبر طابا لنترك خلفنا حلما بعالم اخر يرفرف علي الحدود, وكنا في طريقنا إلي منطقة مراخ أول قري الحدود المصرية لنلتقي مع شاهد علي التاريخ.. الشيخ مسمح.