الخبير الاقتصادي طلال أبو غزالة لديه ثقة كاملة في مستقبل الأمة العربية, وقناعته ترتبط بثقته في مستقبل مصر لأنها علي حد وصفه وتأكيده قاطرة العرب, فهو يري أنها ستصبح في غضون10 سنوات لا أكثر من بين أهم20 اقتصادا في العالم بما تملكه من موارد بشرية وطبيعية وتاريخ وحضارة. وقال في حواره مع الأهرام المسائي إنه ليس هناك عربي واحد لا يثق في مستقبل مصر, داعيا إلي الاهتمام بالإصلاح الاقتصادي بنفس القدر الذي يحظي به الإصلاح السياسي لأنه لا فائدة من وراء أي تطور سياسي بدون اقتصاد قوي. وأشار إلي أنه يتمني ألا تسعي مصر إلي الحصول علي أي قروض من أي جهة, لأنها أكبر من ذلك, وعليها أن تطرح مشروعات للاستثمار المشترك تحقق الربحية بدلا من الاقتراض, مؤكدا أن جميع الدول العربية تتطلع إلي الاستثمار في مصر لأن المسئولين فيها يعلمون جيدا أنها تحررت اقتصاديا وأن فرص الاستثمار بها لا تعوض. وتوقع أبو غزالة أن يشهد عام2012 اضطرابات اقتصادية واجتماعية في كل الدول الغربية بدون استثناء لأن حالتها الاقتصادية حاليا لا تسمح لها باستمرار توفير الخدمات لمواطنيها بنفس مستوي الرفاهية التي تعودت عليها شعوب الدول الغربية. وفيما يلي تفاصيل الحوار: * لك رؤية تتعلق بمصطلح الربيع العربي نريد أن نتعرف عليها؟ أتحفظ علي مصطلح الربيع العربي لأن الربيع يوحي بأننا بلغنا فترة زاهية والحقيقة ليست كذلك, فالواقع أننا دخلنا في بداية مرحلة الانتقال إلي عصر النهصة, وهذا هو المصطلح الذي أفضل أن نستخدمه. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التاريخ والجغرافيا وهو مبدأ مهم عندما تنظر إلي المستقبل, فإننا سنجد أن هناك أمما أخري مرت بمثل هذه المرحلة التي تمر بها الدول العربية, فقد سبق وأن عاشت أوروبا في عصور الظلام لمدة200 عام حتي تحققت النهضة, وخلال هذه الفترة دفعت أوروبا ثمنا غاليا بشريا واقتصاديا ومعنويا واجتماعيا, وهذا يعني أن الانتقال لا يكون بغير ثمن, وبالتالي فإننا يجب أن نعي أن عملية الانتقال من المرحلة التي كنا فيها سابقا إلي المرحلة التي نطمح في أن نصل إليها ليست نزهة, وإنما رحلة معاناة تنتهي بنا إلي الربيع. وأعتقد أن مصطلح الربيع العربي جري تسويقه لنا من الغرب عن قصد ونحن كعرب نريد النهضة العربية. وفي العصر الذي نعيش فيه لن نحتاج إلي فترة انتقالية تمتد20 عاما لنصل إلي مرحلة النهضة العربية, فالفترة لن تزيد علي عامين خلالهما سيعاد ترتيب جميع الأمور, ليس فقط ما يتعلق بالقوانين والتشريعات والبنية التحتية, وإنما أيضا علي المستوي النفسي, بمعني أننا كعرب يجب أن نشعر بالتغيير والانتقال إلي النهضة. * كيف تري مستقبل اقتصاديات الدول العربية بعد الثورات؟ بداية لابد من أن نجري إصلاحات في النظام المحاسبي الحكومي لأن الحكومات العربية تعاني مشكلة في هذا المجال, وبصفتي رئيسا للمجمع العربي للمحاسبين القانونيين, أؤكد أهمية تحول الحكومات إلي النظام الحكومي المعترف به دوليا, هذا سوف يسهم في حل جانب كبير من مشاكل الموازنة العامة. وإذا تحدثنا عن مصر كنموذج أقول: إن قوة الأمة العربية بمصر وضعفها بمصر, ولذلك أنا متفائل لأنني أري أن مصر ستكون بمثابة القاطرة لكل الأمة العربية, وليس لدي شك في هذا الأمر, بل وأكدت عليه في جميع اللقاءات مع المسئولين بدولة الإمارات, خلال زيارتي لها.. ومصر الآن في مرحلة انتقالية لكي تصبح ذات اقتصاد وطني حر غير خاضع للسيطرة أو الابتزاز أو الفساد, وهذه المرحلة ستخرج الطاقات الهائلة في هذه الأمة المهمة للعرب. * ما هي رؤيتك بشأن التحولات الاقتصادية في العالم وتداعياتها؟ التحولات الاقتصادية العالمية هائلة, فقد كنا نتحدث في الماضي عن تحرير التجارة والاقتصاد, بينما الآن انتقل العالم أجمع إلي اقتصاد الدولة, بمعني أن الدولة عليها دور لمراقبة الاقتصاد ولا يجوز أن نعمل وفق ما دعا إليه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عندما قال ارفعوا أيدكم عن الاقتصاد فهذا غير صحيح لأن الدولة يجب أن تراقب الاقتصاد لتنظيمه ومنع المخالفات ودعمه وتهيئة المناخ لانطلاق طاقاته.. وفي السابق كنا نتحدث عن فتح الأسواق, بينما الآن العالم كله يتحدث عن الحماية, وجميع الدول الغربية تباشر إجراءات حمائية لاقتصادها. والتكتلات الاقتصادية التي كنا نركض وراءها هي الآن إلي التفكك, فالاتحاد الأوروبي مقبل علي تفكك, وهناك مشاكل اقتصادية تواجه دول أوروبا وغلاف مجلة التايم الأمريكية في22 اغسطس الماضي كان عن سقوط وانهيار أوروبا, وفي ديسمبر2009 كان غلاف مجلة النيوزويك يتحدث عن كيفية انهيار القوي العظمي وسقوط أمريكا لأن الدول الكبري تسقط عندما يزيد عجز الموازنة والدين العام وهذا هو حال كل دول أوروبا والولايات المتحدة الآن لأنه طبقا للمعايير الدولية يجب ألا يزيد العجز في الموازنة علي3% من الدخل القومي والدين العام لا يزيد علي60% من الدخل القومي بينما جميع دول أوروبا والولايات المتحدة تعدت هذه المعدلات باضعاف وهذا يعني أنها جزئيا مفلسة. واتوقع في عام2012 وقوع اضطرابات اجتماعية واقتصادية في كل الدول الغربية بدون استثناء لان هذه الدول في حالة اقتصادية لا تسمح لها باستمرار توفير الخدمات لمواطنيها بنفس مستوي الرفاهية الخيالية التي كان ينعم بها مواطنو تلك الدول. * كيف تتحول مصر إلي قوة اقتصادية؟ - الدول الصاعدة هي الدول ذات عدد السكان الكبير, وصندوق النقد الدولي تنبأ بهذا منذ فترة لأن هذه الدول سيكون بها سوق واستهلاك كبير وإنتاج وفير وبالتالي ستكون أقوي اقتصاديا وهذا ينطبق علي مصر واستطيع أن أوكد أن مصر خلال10 سنوات ستصبح من بين أهم20 اقتصادا في العالم وفقا لما تمتلكه من موارد بشرية وطبيعية وتاريخ وحضارة وهذه هي المعايير التي يمكن أن نستند إليها وزوال النظام السابق في مصر فتح الآفاق امام الاقتصاد ليحقق ذاته وقدراته, وإذا كان التحول نحو الديمقراطية مهما فاننا يجب أن ننظر إلي النتائج الاقتصادية وهي تؤكد أن مصر ستصبح ذات اقتصاد ديناميكي, ومن واقع خبراتي الشخصية من خلال ارتباطي بمجتمع الأعمال في مصر الاحظ حاليا أن هناك ثقة لدي العاملين في السوق المصرية في ان المناخ الذي يحكم العمل الاقتصادي مختلف ويرتبط بالمنافسة الحقيقية التي توجد التطوير والتحديث. والملاحظ أن هناك تحسنا ونموا في اداء القطاع الخاص الذي لم يتضرر حتي في احلك أيام الأزمة السياسية بعد الثورة لكن للاسف ما يشغل الناس هو البورصة ويجب أن نعلم أنه في البورصة يخسر شخص ويربح آخر لكن اضافتها للناتج المحلي صفر, وإنما الذي يضيف للناتج المحلي هو إنتاج سلعة أو تقديم خدمة وهذا لم يتوقف. واؤكد أن نشاط البورصة لا يعد مؤشرا لاقتصاد أي دولة علي الاطلاق. والخبراء يؤكدون أن نمو اقتصاد مصر لن يكون نموا طبيعيا وإنما سيكون انفجارا اقتصاديا وبسرعة هائلة لانه يمتلك قوة الطاقة البشرية وقوة مكونات الاقتصاد والجميع ينتظر لكيفية توفير البيئة التي ستتيح للاقتصاد المصري هذا النمو والكل ينتظر النتائج السياسية وهذا خطأ لأنه من السهل البدء في الإصلاح الاقتصادي بسهولة أكثر بكثير من تعديل قانون الانتخابات علي سبيل المثال ونتائج الإصلاح الاقتصادي تكون نتيجتها أسرع. * ما الدور الذي يمكن أن تقوم به الدول العربية تجاه مصر؟ - الدور الذي يمكن أن تقوم به الدول العربية تجاه مصر مبني علي الاستثمار الحقيقي الذي يحقق الربح واتمني ألا تطلب مصر قروضا لأنها أكبر من هذا, مصر هي العرب وهي أكبر من أن تطلب مساعدة إنما تقول لدي هذه المشروعات تعالوا لتكونوا شركاء فيها, وهناك مجالات عديدة يمكن أن تقام فيها مشروعات مشتركة تحقق ربحا, وهذا أمر مختلف عن القروض أو المساعدات ويرتبط بالمصلحة المشتركة.. وأنا اثق في أن الدول العربية جميعها تتمني أن تسلك هذا المسار. واؤكد من خلال علاقاتي بجميع المسئولين في الدول العربية أنه ليس هناك عربي لا يثق بمستقبل مصر, وجميع المسئولين عن القرارات الخاصة بالاستثمار في الدول العربية يعلمون ان مصر الآن تحررت اقتصاديا وان هناك فرصة لا تعوض للاستثمار في مصر ويجب ان تبدأ الإدارة المصرية في فتح مجالات الاستثمار امام الدول العربية التي تفضل أن تجد موضعا عربيا تضمنه لضخ استثماراتها فيه بعد خسائرها في الأسواق الغربية. * لك تجربة في الدفاع عن القضية الفلسطينية نود أن نتعرف عليها؟ - لا نتحرك علي الصعيد السياسي وإنما نسلك طريقا مختلفا لتعريف العالم بالشعب الفلسطيني وحقه في ان تكون له دولته المستقلة ومؤخرا اقمنا في باريس جمعية تحت اسم لكل من أجل فلسطين بهدف بناء قاعدة بيانات تجمع الفلسطينيين المبدعين في العالم لنقول لكل الشعوب ان الفلسطينيين شعب عظيم اخرج أهم اساتذة في جامعات العالم وعلماء وصحفيين وتم حتي الآن جمع بيانات ألف شخصية وبنهاية عام2012 ستكون لدينا قائمة تجمع10 آلاف شخصية لنقول للعالم هذا هو الشعب الفلسطيني فنحن لسنا إرهابيين ولا مساكين أو فاشلين بل نحن شعب يستحق الحياة ويستحق أن يكون له دولة.. ومن المقرر أن يتم تعميم هذه التجربة علي المستوي العربي لنقول للعالم إن العرب أمة عظيمة مبدعة.