لاشك أن عودة الأمن والاستقرار, أو علي الأقل ما كان متوافرا منهما قبل ثورة يناير, هي المطلب الأساسي لكل المصريين حاليا طبقا لنتائج العديد من استطلاعات الرأي العام, فالانفلات الأمني يكاد يعصف بمنجزات الثورة. بل إنه يكاد يدفع المصريين إلي ثورة أخري, ليس علي ثورة يناير, ولكن علي أحد أهم تداعياتها وهو فقدان الأمن وما تبعه من مظاهر. لا يهم القطاع العريض من المصريين هنا من المسئول عن فقدان الأمن, الثورة أم فلول الحزب الوطني المنحل, لا يوجد شك في أن ملف الشرطة مع الشعب ليس ناصع البياض, الشرطة, علي ما فيها من شرفاء وعلي ما بذلته من جهد في خدمة الوطن لا ينكره إلا جاحد, متهمة بأنها السبب في الاحتقان المتزايد لدي الجماهير تجاه النظام السابق, بصرف النظر عن أنها تحملت رغما عنها التعامل مع كل سوءات النظام السياسي السابق, إذ حولها هذا النظام إلي خط الدفاع الأول وربما الوحيد في مواجهة تداعيات سياساته وقراراته, فجعل منها وسيلة لحفظ أمنه, ولم يكن ممكنا لها والحال كذلك أن تحفظ أمن المواطنين بما لا يثيرهم ويجعلهم أكثر احتقانا تجاه الشرطة باعتبارها ممثل هيبة النظام. انكسرت الشرطة منذ يوم الثامن والعشرين من يناير الماضي, وحاول البعض في ظل الثورة الجارفة في الأيام الأولي تأكيد أن مصر ليست بحاجة إلي هذه الشرطة وأن اللجان الشعبية التي حمت مصر أيام الثورة الثمانية عشر قادرة علي حماية بقية العام, وكما أن من قاموا بتنظيف ميدان التحرير أيام الثورة لم يعد لهم أثر فيما بعد, اختفت أيضا اللجان الشعبية وبدأت المطالبات بعودة الشرطة, ورغم إيمان الجميع بحاجة المجتمع لعودة الشرطة لتعود الحياة إلي طبيعتها, فإن تلك الدعوات كانت نظرية بحتة تطلق لذر الرماد في العيون, بل ولتدفع الشرطة مرة أخري لتقبع في خانة الاتهام, فالمطالبون بعودتها لم تكن لديهم الرغبة ولا الشجاعة في تقديم المساعدة الحقيقية لعودتها. الدعم الذي حصلت عليه الشرطة من الكثير من القوي السياسية والمسئولين كان قليلا للغاية وغير كاف لتأمين عودتها لممارسة عملها في إعادة الأمن للمواطنين, فلا يمكن لمن لا يأمن علي نفسه أن يعيد أو يحفظ الأمن للآخرين, إضافة إلي ذلك فإن استعادة الأمن عملية لا تعتمد فقط علي رجل الشرطة بل إن المواطن يؤدي دورا رئيسيا لا غني عنه في تلك العملية, والمعضلة الأساسية هنا هي أنه لا يمكن أن يعود احترام رجل الشرطة مهما يبذل لإعادة الاعتبار إليه دونما مساعدة المواطنين وترحيبهم بذلك, والمواطنون لن يفعلوا ذلك دونما الشعور بأن رجل الشرطة قد تغير بالفعل خاصة علي مستوي الأداء في الأمور المتعلقة بالمواطنين مباشرة, وهنا لابد من اعادة الثقة لرجال الشرطة. وهذه الثقة لن تعود لمجرد أن أقسامه رممت واستكملت تجهيزاته, فالشرطة منهزمة من الداخل, ومن ثم فلابد من دور تمارسه الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها الذي عليه أن يكثر من الحديث عن الشرطة ودورها وحاجتنا إليها, وعليه أن يعقد معهم العديد من اللقاءات ويزورهم في أماكن عملهم, وعليه مثلا أن يعقد بعض الاجتماعات التي تجمع شباب ائتلاف الثورة بأفراد الشرطة لبعث رسالة إعلامية مفادها أن الدولة مصرة علي حماية الشرطة واستعادة دورها. ثم يأتي دور الإعلام, صحافة وتليفزيون, لتأكيد تلك الرسالة ولنحاول أن نجعل من مهمة إعادة الثقة للشرطة مهمة قومية عاجلة, وعلي الشرطة ألا تستسلم لاستفزازات البعض سواء كانوا مواطنين أو قوي سياسية, وعليها أن تؤدي عملها بكل قوة مستخدمة في ذلك كل ما يتيحه لها القانون. ومن المؤكد أن تمديد تفعيل العمل بقانون الطوارئ قد أعطي رجال الشرطة دفعة قوية, ولكن التخوف الأساسي هنا هو أن يساء استخدام هذا القانون علي نحو ما كان يحدث سابقا أو حتي بصورة تقترب أو تشابه ما كان يحدث قبل الثورة. أما بالنسبة للمواطنين, فعندما يشعرون بالتغير في مستوي أداء الشرطة ووجودهم الفعلي علي نحو ما كان قبل الثورة ولكن بفكر جديد فإن ذلك سيدفعهم باتجاه التفاعل مع الشرطة ومساعدتها, فكلما رأي المواطن الشرطة موجودة في عملها خاصة في الشارع علي نحو ما كان وبأداء مختلف سيتسرب إليه الشعور بأن الأمور تسير نحو الأفضل, وهنا تبدأ حالة الشعور بالأمن في التشكل, أما الخطورة الحقيقية علي الشرطة وعلي إمكان استعادة الأمن بسرعة فهي عدم تطبيق القانون أو التهاون في تطبيقه علي مرأي ومسمع من المواطنين كما يحدث فيما يتعلق بالمرور وحفظ النظام في الميادين العامة. وعلي الرغم من أهمية دور الإعلام في عملية استعادة الأمن أو الشعور به, فإن ثمة علامات استفهام كثيرة وربما شكوك حول رغبة الإعلام ليس فقط في لعب هذا الدور ولكن أيضا رغبته في استعادة الأمن كما المواطنون, وأخيرا هل نشهد قريبا أفكارا بناءة ومليونية من أجل استعادة الأمن ومساندة الشرطة قبل الشروع في عملية الانتخابات؟