بعد ثورة25 يناير في مصر, وما أعقبها من توابع أمنية ابرزها ما عرف بفوضي انتشار السلاح, فتح الباب علي مصراعيه لمناقشة تفاصيل هذا الملف المرعب الذي يتعلق بواحدة من اسوأ انواع التجارة.. انها تجارة الموت حيث تحول السلاح من اداة للدفاع عن النفس إلي اداة للقتل والدمار, بعد انتشار ثقافة احم نفسك بنفسك. وليس من شك في أن هذه النوعية من الفوضي تنشأ وتترعرع في غياب الدولة أو في المراحل الانتقالية للأمم والشعوب, كتلك التي تمر بها مصر أو ليبيا. وإذا كان الأمر في مصر قد تحددت ملامحه علي نطاق فردي, حيث لم تأخذ الفوضي شكل مجاميع, فإن الحال في ليبيا أو في العراق مثلا اتجه في سبل اخري أوسع نطاقا وتجاوز حدود الدول والجيوش, لتكشف التطورات عن مافيا عالمية وتجارة تمر عبر شبكة عنكبوتية معقدة لم تجد لها بيئة اصلح من المنطقة العربية. فالعرب والعرب وحدهم, باتوا هم تقريبا الوحيدون في العالم الذين يشترون السلاح بكميات ضخمة, سواء كان ذلك علي مستوي الافراد أو الحكومات, وإذا كان الفرد يفتقر للأمان الشخصي والاجتماعي فماذا عن الحكومات التي راحت تكدس المخازن بمختلف انواع الاسلحة, ثم ينتهي بها الأمر إلي البيع في سوق الخردة. وقد ظلت الحكومات العربية حتي ما قبل ثورات الربيع الأخيرة تهتم بأمن الدولة علي حساب الافراد الذين اضطروا لحماية انفسهم بانفسهم, وفي بعض الاحيان تطبيق القانون علي طريقتهم, خاصة وان هذا القانون لم يعد سيدا علي الجميع. وبينما غاب الأمن الشخصي للافراد وسيطر مفهوم أمن الدولة والحكام, كانت عمليات شراء السلاح تتم باسم القضية الفلسطينية والاستعداد لحرب لم تأت ضد إسرائيل, فالرئيس العراقي الراحل صدام حسين كدس مختلف انواع الاسلحة, واستخدمها في اتجاه اخر بغزو الكويت, وحتي عندما قصف تل ابيب بصواريخ سكود اثناء حرب الخليج, كانت بلا نتيجة لانها كانت صواريخ اقرب إلي الالعاب النارية, فبينما كانت إسرائيل تتسلح باسلحة نوعية ومتطورة, كان الحكام العرب يدخلون في صفقات سلاح ربما لشراء ذمم بعض الدول والحكومات, أو حتي لمصالح شخصية من اجل الحصول علي العمولات, وليس مهما كفاءة السلاح أو مدي الحاجة إليه. ويبدو أن صفقات السلاح الفاسد التي ظهرت في حرب1948 كانت سببا اسياسيا في نكبة فلسطين, ستظل كاللعنة تطارد العرب في كل وقت فالفساد الآن أكثر تنظيما وشيوعا بل وربما صار قانونيا. وبينما أنعشت الفوضي الأمنية سوق السلاح في مصر بمختلف انواعه, فتحت الحرب في ليبيا الباب علي مصراعيه لهذه التجارة بتشجيع من قوي كبري شاركت في العمليات لانعاش العمل بمصانعها ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صارت ليبيا ساحة مناسبة لتهريب السلاح للباحثين عن الأمن الشخصي في مصر. وفي هذا السياق يلاحظ مثلا ان عمليات حلف شمال الاطلسي الجوية يجري تصويرها وتوضيح تفاصيلها في عرض مبهر لكفاءة الأسلحة الجديدة التي ربما تجرب لأول مرة. وبعد ان تضع الحرب أوزارها ويكون السلاح الجديد قد استنفد اغراضه, يفتح المزاد في العالم العربي لتتكالب دول وحكومات اغلبها نفطية علي شراء الراكد من مخزون السلاح في الغرب, ربما لتحقيق اهداف سياسية من قبيل دعم الكراسي والبقاء في السلطة. لهذا لم يكن غريبا ان تتعامل الولاياتالمتحدة والغرب مع القذافي أو علي عبدالله صالح أو حتي الرئيس السابق حسني مبارك وفق حسابات خاصة تبقي علي مصالحها وعلي رأس تلك المصالح تجارة السلاح. ولاتتفق دول العالم الثالث في شيء أكثر مما تتفق في الانفاق الرهيب وغير المبرر علي شراء السلاح وتكديس المخازن بالأسلحة من أجل حماية كراسي الحكم بينما قضايا المواطن وبناء الانسان واعداد المجتمع وقضايا التنمية, فهي عادة ما تحتل المراتب الأخيرة. والطرف الوحيد المستفيد الوحيد من هذه الصفقات هي الدول الرأسمالية والمصدرة للسلاح التي لاتكتفي بحصد مليارات الدولارات وانما تتخلص من اسلحتها المصنعة الزائدة المخزنة والمكدسة في مستودعات السلاح. وفي المقدمة نجد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لاتزال تمثل أكبر مزود للانظمة العربية بالمعدات العسكرية التي تبلغ مبيعاتها31% من صادرات العالم بحسب ما اوردته الدراسة التي اعدها معهد ستوكهولم الدولي للسلاح مؤخرا. وفي مقدمة هذه الدول المستوردة للسلاح دولة الامارات العربية المتحدة التي اصبحت ثالث اكبر مستورد للأسلحة في العالم حسبما صرح به معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام عام.2009 وقد شكلت واردات الامارات بين عامي2003 و2007 نسبة9% من اجمالي صادرات الولاياتالمتحدة, وعن بقية وارداتها من الأسلحة لفتت التقارير إلي ان الامارات استوردت في نفس الفترة41% من اجمالي صادرات السلاح الفرنسي, لتحتل المركز الأول بين مستوردي هذا السلاح. وهذه النسب تقريبا تتكرر في بلدان خليجية اخري وهو أمر يعكس التوتر القائم بعد غزو العراق والقلق من البرنامج النووي الإيراني. كما ان المعهد ذاته قد نشر احصائية مؤخرا حول تجارة السلاح تقول استوردت الدول الغنية بالنفط نحو6% من واردات الاسلحة العالمية في الفترة من2004 إلي.2008 وترصد تقارير المعهد الدولي للسلاح استمرار منطقة الشرق الأوسط بما فيها البلدان العربية وإيران وإسرائيل, في التسليح, باعتبارها من أكبر المناطق إنفاقا عليه, حيث زاد التسليح فيها خلال العقد الماضي بنسبة62%. اما السعودية فتنفق حسب بعض التقديرات نحو9% من اجمالي الناتج المحلي, لتحتل بذلك المرتبة الثامنة بين اكثر15 دولة انفاقا علي التسلح. اما العراق فينفق نسبة مماثلة تقريبا لكنه يعاني وضعا اكثر مأساوية بسبب الفساد وغياب الرقابة. اما مصر التي سبق لها خوض اربعة حروب, اخرها مع إسرائيل عام1973, فبلغ انفاقها نسبة2.7% من اجمالي الناتج المحلي بينما تبلغ النسبة في سوريا نحو5.1%. علي الجانب الآخر وفي إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية بها إلي ما يعادل8% من اجمالي ناتجها المحلي وهي نسبة تخضع للرقابة بعكس كثير من الدول العربية. الغريب ان دولة مثل الجزائر بلغ حجم واردات الأسلحة التي اقتنتها من الاتحاد الأوروبي سنة2009 ما قيمته275 مليون يورو, لتحتل بذلك المرتبة الرابعة في شمال افريقيا من حيث حجم واردات الاسلحة من الاتحاد الأوروبي. وتشير تقديرات إلي ان الجزائر وبلدان شمال افريقيا والشرق اصبحت من بين أهم الاسواق المربحة بالنسبة لمصدري السلاح فقد اشترت الجزائر,3% من جميع الأسلحة التقليدية التي تباع في جميع انحاء العالم, حيث عادلت بذلك مقتنيات الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا. السؤال المطروح وعلامة الاستفهام الكبري, وهو ماذا تفعل تلك الدول بكل تلك الأسلحة وما هي الحروب التي خاضتها وكيف انتهي الحال بالأسلحة التي خرجت من الخدمة وتجاوزتها تكنولوجيا العصر؟ الاجابة تكشف عنها رائحة الفساد التي تفوح حول العديد من الصفقات المشبوهة التي ترجمت إلي ارقام بالمليارات وضعت في خزائن مصدري السلاح وسماسرته, كما ترجمت الصفقات إلي سنوات عديدة تربع فيها الحكام المستبدون علي قمة السلطة بعد ان أداروا ظهورهم لشعوبهم التي بدأت تنتفض اخيرا.