ارتفعت الضحكات وتعالت الزغاريد الصادرة من الموكب المار أعلي كوبري6 أكتوبر بوسط القاهرة الذي تتصدره سيارة حديثة مزينة بالورود والبالونات فبهجة العروسين ودلالهما يبدوان من خلف زجاج السيارة للمارة. في مشهد يبث في الجميع روح المرح والسعادة التي يحلم بها الكثير من الشبان ويتذكرها المتزوجون بكل سعادة وكانت الفرحة بادية علي الجميع حتي من لم يعرفهم ورأي موكبهم المار بسرعة تمني أن يعيش لحظة الفرح التي تعيشها ندي وعريسها جابر فبعد جولة سريعة لهما في شوارع القاهرة كانا ينويان التقاط بعض الصور التذكارية بخلفية فنادق القاهرة ومبانيها الشاهقة المطلة علي النيل. وكان الأهل والأصدقاء في انتظار العروسين اللذين فضلا عدم مصاحبة أحد والتفرد باللحظة التاريخية التي تمر عليهما اللهم إلا سائق السيارة جابر صديق العريس وطفله الذي أصرت والدته علي أن يصطحبه والده معه في تلك الليلة. وفي طريقهما إلي النيل كان واضحا أن سائق السيارة في حالة نشوة لذيذة يعيشها وحده انعكست علي حركات قدميه أسفل السيارة وبدا وكأن سيارته ثعبان يتلوي يمينا ويسارا وسط تعالي صرخات العروسين الممزوجة بالفرح والخوف. وفجأة خان السائق ذكاؤه وانحرفت عجلة القيادة أكثر مما توقع لتصطدم بالرصيف الخرساني الفاصل بين حارتي الطريق وترتفع السيارة وتنقلب في الهواء إلي الجهة المقابلة لتصطدم بسيارة قادمة لتطير مجددا في الهواء وتسقط أمامها لتأتي سيارة ثالثة وتصطدم بالسيارتين وتزحف لأمتار لتتهشم السيارتان الأولي والثانية بينما تأثر الجزء الأمامي للثالثة. 5 ثوان فقط هي مدة التصادم بين السيارات الثلاث أسفرت عن مقتل العروسة والسائق والطفل في الحال بعد أن تحولت أجسادهم إلي أشلاء بينما نجا العريس بأعجوبة وشاء القدر أن تنقذه العناية الإلهية في الثواني الأخيرة بعد أن ظل يصارع الموت لدقائق مرت وكأنها الدهر. وخرج سائق السيارة الثانية علي قدميه مصابا بكسور في الذراع اليسري بينما لم يصب سائق السيارة الثالثة بأذي. فور سماع دوي التصادم توقفت الحركة تماما وأصاب الشلل اتجاهي السير بالكوبري وهرع قائدو السيارات إلي مكان الحادث ليفاجأ الجميع ببركة من الدماء تسيل علي الطريق, فأخرج كثيرون هواتفهم المحمولة واتصلوا بالنجدة التي أخطرت اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة الذي أمر علي الفور بانتقال فريق من رجال الحماية المدنية والمرور إلي موقع الحادث, والتي صاحبتهم سيارات الإسعاف خلال دقائق. وبدأت المأساة تتكشف رفعوا جثة تلو الأخري كانت بعضها متهتكة الأجزاء مثل الرأس والبطن نتيجة انطباق الحديد وقوائم السيارة علي أجساد لينة حتي فاحت رائحة الدم ولولا وجود رجال شجعان لظل الجميع واقفا متخشبا تائها مسلوب الإرادة شارد الذهن أمام مشهد توقف فيه الزمن وانقلب فيه الفرح الشديد إلي حزن أشد والزواج والحياة إلي قتل وموت وفراق واختلطت الورود التي تزين سيارة العروسين بالدماء علي الأرض ودهستها الأقدام المتوترة بينما ظلت الدماء علي الأرض حتي لملم رجال النظافة أشلاء السيارتين جانبا بعد أن انهال الناس عليهما بالتقطيع لإخراج الضحايا وفصل الحديد عن اللحم والعظم. وقع الخبر علي أهالي العروسين كالصاعقة وجاء أغلبهم في حالة ذهول بنفس ملابس الفرح في موقف مناقض تماما لمناسبة الملبس غير مصدقين فمنهم من آمن بالأمر فور رؤيته قائلا لا حول ولا قوة إلا بالله ومنهم من كذبه وهتف وصرخ بهستيرية وجنون مش ممكن مستحيل العروسة ماتت والعريس وكان الناس يبعدون ويمنعون الجميع من النظر إلي الجثث أثناء إخراجها. وبدأ بعض الشباب يساعدون في التنظيف وافساح الطريق لتسيير حركة المرور ولملمة بعض متعلقات العروسين فهذا يرفع الورود الملوثة بالدم ناحية الرصيف وذاك يسكب الماء علي بقع الدم المتجمع في منطقة منخفضة من الطريق بينما يرفع آخر حطام السيارات. نقل رجال الإسعاف الجثث والمصابين ورفع رجال المرور بقايا السيارات الثلاث وأتي رجال النظافة لاستكمال ما بدأوه وأخيرا جاء رجال الإطفاء بسيارة ممتلئة بالماء وبدأوا في رش الطريق لإزالة آثار ورائحة الدماء من الأسفلت. وكانت كلمات رجل عجوز سائق تاكسي من داخل سيارته التي توقفت للسؤال عما حدث هي الأوقع بين كل ما قيل فقد فاجئنا اللي بتعمله الناس في الأفراح هيجبلهم أكثر من كده, في إشاره إلي رعونة واستهتار البعض والإفراط في الفرح مثل اطلاق الرصاص واللعب بالنيران والسير بجنون وعمل ما يسمي الخمسات والأمريكاني باستخدام السيارات والدراجات النارية.