أصبحت إدارة الأزمات سلوكا ومنهجا يحمل في طياته ملامح رؤية للتفاعل والتكامل مع متطلبات الحياة المعاصرة ومع متطلبات التكيف مع القوي الحاكمة والمغامرة التي تصنع الأزمات وتتعامل بها ومعها وفيها. لترضي طموحها المادي والمعنوي من أجل إعادة صياغة وتشكيل العالم ليصبح أكثر انسجاما معها ومع قدراتها, ان هذا ليس مقصودا به قوي محددة بذاتها.. بل إنه لكل القوي حتي تلك التي لم تولد بعد. إن اطر المعالجة للأزمات تتم دائما تحت ضغط وهو ماقد تنجم عنه أخطاء في المعالجة, حيث تجذب الأزمات المتخصصين والهواة والراغبين في تقديم المعونة تحت دوافع مختلفة, ومن هنا فقد تحدث( كوارث) أو أزمات جديدة. وحتي لا تصبح إدارة الأزمات فريضة غائب فإن الحديث عن استخدام المنهج العلمي كأسلوب للتعامل مع الأزمات أصبح أكثر من ضروري وأكثر من حتمي, ليس فقط لما يحققه من نتائج ايجابية في التعامل مع الأزمات, ولكن أيضا لأن البديل غير العلمي نتائجه قد تكون مخيفة ومدمرة بشكل كبير. إن الأزمة ينظر اليها من خلال منظور مستقبلي باعتبار أن الخطر الحقيقي للأزمة لا ينصرف أو يتعلق بالماضي والحاضر, ولكنه يتجه وبشدة الي مايمكن أن تؤدي الأزمة اليه في المستقبل. ويتعين في هذه المرحلة ان نعي جيدا مجموعة من المبادئ وتمثل الدستور الإداري يجب علي كل متخذ قرار أن يعيه جيدا عند التعامل مع أية أزمة تواجهه, وألا يتناسي أو يتجاهل احدي هذه الوصايا شديدة الأهمية والخطورة, والتي من أهم مبادئها.. مبدأ توخي الهدف فكثيرا مايكون الهدف غامضا أمام متخذ القرار, خاصة أن ضغط الأزمة واشتدادها يجعلان بعض متخذي القرار عاجزين عن التحرك في التحرك في الاتجاه المطلوب, ومن هنا فإن تحديد( الهدف))بدقة يستند علي مهاجمة الأزمة في اللحظة المناسبة التي يكون فيها جدار الأزمة أكثر قابلية للاصابة, وأن شجاعة متخذ القرار تكمن في اتخاذه لقرارات صائبة بعد دراسة مسهبة, ودقيقة للموقف, وليس في المجازفة بقرارات عشوائية تنجم عنها خسائر جسيمة. والمبدأ الثاني هو( الحشد)ويقصد له جمع القوة المناط بها معالجة الأزمة في الزمان الذي يهيئ الوفرة الفنية للقوة والمكان المناسب لتأمين تنفيذ عملية مواجهة الأزمة, والقضاء علي الأزمة وأسبابها وعناصرها, والقوة تتضمن عناصر متعددة بعضها يرتبط بالمكان الذي حدثت فيه الأزمة, والتي ستتم مواجهتها فيه, وبعضها يرتبط بالزمن والمرحلة التي حدثت فيها الأزمة, وبعضها الآخر يرتبط بما يمكن لمدير الأزمات حشده وتعبئته ماديا ومعنويا من أجل مقاومة الأزمة والقضاء عليها. ويستخدم اعلام الأزمة بشكل مكثف لايجاد المناخ والوعي والقناعة اللازمة لجعل القوي الشعبية متكاتفة ضد الأزمة وصانعيها, وفي هذه الحالة يصبح الاعلام انعكاسا لمجتمع الأزمة: بمعني ان يكون كما يرغب هؤلاء الأفراد معبرا عن طموحاتهم وآمالهم, ويحقق بذلك عناصر المصداقية والاهتمامية والانجذاب اليه بشكل كامل. وقضية ماذا بعد الأزمة هي قضية النظرة الشاملة المتكاملة للقضايا والمواقف والافرازات, وهي قضية تتجاوز النظرة الحاضرة بشمولها, الي النظرة المستقبلية باتساعها, فالمستقبل ليست له حدود زمانية أو مكانية تقيده, ولكن له فقط اطارات مرحلية يتم اجتيازها بالتتابع. وإذا كنا نعيش في عالم الأزمات, فأن الأزمة معه تصبح حقيقة ملموسة اعترفنا بذلك أم لم نعترف, وهذه الحقيقة الصعبة تتطلب وجود إدارة رشيدة للتعامل مع الأزمات, إدارة تبني علي المعرفة وعلي الرشادة, وعلي الأسس العلمية المكتسبة من واقع التجارب الانسانية ومن خلال جهود العلماء والباحثين في شتي المعارف والعلوم المتصلة بعلم إدارة الأزمات. ان وجود جهاز لاستشعار الأزمات, يمكن الكيان الإداري من التعامل مع الأزمات المستقبلية والحاضرة بشكل هادئ وعاقل ومسئول, تحليلا, وتدقيقا وتمحيصا, ويقي متخذ القرار شرور الاستسلام والانصياع لما يمليه الضغط الأزموي ويضع أمام متخذ القرار بدائل عديدة لقراراته, وسيناريوهات بديلة للتعامل مع المواقف الأزموية بدلا من الخضوع والانصياع للخيار الوحيد الذي تمليه الأزمة بما تشتمل عليه من مخاطر واعباء وتكاليف. وقد تبلور عن هذه الجهود البدء في التفكير في ايجاد نظام وقائي لحماية الكيانات الإدارية من اخطار الأزمات, ويهمنا هنا أن نوضح أن هذا النظام لن يحول دون وقوع الأزمات, بل انه سيجعل الكيانات الإدارية أكثر قدرة علي الصمود امام الضغوط الأزموية الناجمة عنها.. وقد نستطيع في المستقبل الحيلولة دون وقوع هذه الأزمات من أساسه. * وكيل أول وزارة سابق بالمحليات