عندما استمع إلي الشبكات الاذاعية أحس بحالة من الأسي لما آل اليه أمر الغناء في الاذاعة فقد اختفت تقريبا الأغنية من علي خرائط الإذاعة واذا ما كانت هناك اغان فانها أغان باهتة بلا طعم فلا صوت ولا كلمات ولا لحن. فقد اندثرت الأصوات الجميلة بعد رحيل أصحابها وصاحباتها من جيل النجوم كذلك بعد انسحاب البعض من الساحة حيث ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة. واعود بالذكريات إلي زمن مضي احتمت خلاله الاذاعة بالأغنية والموسيقي وعهدت بأمر الاغنية إلي الثقاة من أبنائها اصحاب الكعب العالي في هذا المجال كان هناك مدحت عاصم ومحمد عاصم ومحمد حسن الشجاعي ومصطفي عبدالرحمن يشرفون علي مراقبة الموسيقي والغناء وكان هناك أحمد رامي ومحمود حسن اسماعيل يقيمون الكلمة المغناة بحيث تستقبلها الأذن خالية من الشوائب والعوار كان ذلك إيمانا من الاذاعة بأن الأغنية الجميلة من المواد الجاذبة لأذن المستمع وأن اغنية جميلة تأتي قبل إذاعة حديث أو برنامج حواري تكون من دوافع استماع المتلقي للمادة الكلامية اكثر من ذلك ومن حيث اهتمام الاذاعة بالأغنية والبرنامج الغنائي أنها خصصت جانبا من ميزانيتها لانتاج الأغنية فيما كان يسمي الأغاني المختارة حيث كانت الإذاعة تكلف المؤلف بوضع الكلمات وتكلف الملحن بوضع اللحن وتتفق مع المطرب الذي يؤدي الأغنية هذا بالنسبة لأغاني المناسبات مثل أغاني رمضان أو أغاني شم النسيم أو الأغاني الخاصة بالاعياد والمناسبات الوطنية وكانت هناك الأغاني المختارة التي تري لجنة النصوص الغنائية أنها ذات معان جميلة وكلمات رشيقة فقد كان المؤلفون يرسلون للاذاعة بإنتاجهم وتقوم لجنة النصوص بفحص هذا الانتاج وإذا ما رأت أن هناك نغما يستحق ان يكون من المختارات فلا مانع من ذلك ويأتي بعد ذلك تكليف الملحن والمطرب وصورة من صور اهتمام الاذاعة بالأغنية تتمثل في أن الاذاعة كانت لها فرقها الموسيقية التي تقوم بعزف الالحان المختارة كما أن هذه الفرق كانت تقدم مختارات من الموسيقي الغربية والشرقية حيث كانت الإذاعة تقدم هذا اللون من الموسيقي في مستهل فتراتها البرامجية ففي فترة ما بعد الظهر أي في الساعة الثانية كانت فرق موسيقي الاذاعة تقدم فواصل من الموسيقي غربية تارة وشرقية تارة وكذلك هي فترة المساء عند الساعة الخامسة ثم إن خريطة الأذاعة كانت تحتشد بأغنيات عديدة أشبه بوسائط العقد ناهيكم عن الاغنيات الطويلة مثل الجندول والكرنك وغيرهما لعبدالوهاب والربيع وأول همسة لفريد الأطرش وقارئة الفنجان لعبد الحليم هذا بالطبع إلي جانب اغنيات أم كلثوم وحفلاتها الشهرية كما كان هناك حفل شهري تقيمه الاذاعة في المسارح يغني فيه عبدالمطلب وعبدالعزيز محمود والكحلاوي وعبدالغني السيد وشهرزاد وفايدة كامل وكان هناك برنامج تقديم الاغاني مثل ما يطلبه المستمعون وكان يذاع ثلاث مرات اسبوعيا وكان يقدمه عمالقة المذيعين مثل حافظ عبدالوهاب وصفية المهندس وسامية صادق.. الآن لا يذاع هذا البرنامج الا مرة واحدة ثم كان هناك برنامج من كل فيلم اغنية وكان منتجو الأفلام الغنائية يتهافتون عليه لكي يذيع اغاني افلامهم بأصوات عظماء المطربين والمطربات أبطال هذه الافلام ونحن بهذه الذكريات نريد للاذاعة ان تعود إلي التألق بحيث يتم ترصيع خريطة البرامج بالاغنيات الجميلة مع الإقلال بعض الشئ من المكلمات التي تمتلئ بها الخريطة الاذاعية وعلي الاذاعة ان تقوم بدورها الذي عرفت به وهي اكتشاف نجوم الغناء والتلحين من خلال برامج مثل برنامج الهواة الذي اختفي من الخريطة مع غيره من برامج أخري كانت محببة للمستمعين.