إذا كانت ألمانيا قد شكلت الجبهة الأمامية للحرب الباردة في القرن العشرين, فإن الصين, خاصة مياه بحر الصين الجنوبي, سوف تشكل الجبهة الأمامية للحروب والصراعات العسكرية في العقود المقبلة. ففيما تتصاعد القوة العسكرية للصين, خاصة قوتها البحرية, فإن إعلان بكين حقها في بحر الصين الجنوبي يتناقض مع الدول الساحلية الأخري, حيث يعني ذلك إطلاق هذه الدول سباقا للتسلح وتنمية وتطوير قوتها البحرية.. كما أن ذلك سوف يدفع الدول أيضا للاعتماد علي القوة الأمريكية لإحداث توازن مع القوة الصينية المتصاعدة بشكل كبير. وإذا كانت القطبية المتعددة هي أبرز سمات النظام العالمي اقتصاديا ودبلوماسيا, فإن الصراع علي بحر الصين الجنوبي سوف يعني أن تلك القطبية المتعددة سوف تكون عسكرية, كما أن الصراع العسكري يتنامي في هذه المنطقة بشكل ملحوظ, كما نري حاليا. وذكرت مجلة فورين بوليسي أنه ليس هناك شيء رومانسي في الصراع العسكري الجديد, كما يحدث في الصراعات الأخلاقية, وفي الصراعات البحرية هناك قصف مستمر للشواطئ وللسواحل وليس هناك ضحايا يتساقطون ولا عدو فلسفي يمكن مواجهته وتحديه, وليس هناك عمليات تطهير عرقي يمكن أن تحدث كما في النزاعات وساحات الحروب الأخيرة. ويظل المنشقون هم أحد أهم ما تعانيه الصين, لكن النظام الصيني يظهر فقط نسخة مكررة من الديكتاتورية باقتصاد رأسمالي وأيدولوجية حاكمة بشكل ضئيل, ومن المحتمل أن تكون الصين أكثر انفتاحا بشكل كبير أكثر منها مجتمعا مغلقا, وذلك في السنوات المستقبلية بدلا من الفاشية والتوجه نحو تعزيز القوة العسكرية, فالصين مع جميع الدول في شرق آسيا تعزز وجودها من خلال الإصرار علي التمسك بالقوة ذات الشكل القديم, وأصبحت الصين حاليا أكثر ديمقراطية مع تزايد الاهتمام بقوميتها. ويعتقد أن القومية يمكن اعتبارها استياء انفعاليا ورد فعل, وكأحد أساليب وطقوس القرن ال19 وبشكل واضح تقود القومية التقليدية السياسية في آسيا, وهي المحرك الأساسي للتوجه نحو تعزيز القوة العسكرية في تلك المنطقة من العالم, حيث سيسود المنطق البارد من توازن القوة والصراع حول مزاعم معينة ومنها حول الموارد الطبيعية والدفاع عن سيادة واستقلال أراضي كل طرف ودولة ولهذه الدرجة, فإن الواقعية التي لا تثير أي استياء وسخط سوف تتحالف مع القومية في منطقة جغرافية محددة هي بحر الصين الجنوبي. ومهما يكن ما يحدث من دراما أخلاقية في شرق آسيا, فإنها سوف تأخذ شكلا من سياسة القوة الصارمة من النوع الذي سوف يصيب الصحفيين والعديد من المفكرين ويجعلهم يتساءلون فيما بينهم مثلما حدث في أثينا القديمة وفي جزر ميلوس, حيث القوي يستطيع أن يفعل ما يريده وحيث الضعيف يعاني بسبب ما يفرض عليه. وفي القرن الحالي سوف تقوم الصين بدور أثينا كقوة إقليمية رائدة بما يعني أن الضعيف سوف يذعن لكل ما يملي عليه. وسوف يكون للصين استراتيجية غير معلنة, وسوف يتجه العديد من الدول الصغيرة في آسيا للقوة الأمريكية لتفادي مصير أسود وسوف يكون الصراع في بحر الصين الجنوبي مختلفا بشكل كبير عما اعتاد عليه العالم. ومنذ بداية القرن العشرين, فقد مني العالم بحروب صغيرة قذرة وغير منتظمة وغير مستمرة في مقابل تورط في صراعات ضخمة حول الأرض والحدود, ولأن كلا الحربين أسفرتا عن خسائر بشرية ضخمة, فإن الحروب كانت ولاتزال مثار اهتمام الجميع ساسة وجنرالات. لكن في المستقبل سوف نري شكلا أكثر شفافية للصراعات المرتبطة بعالم البحرية والأساطيل, وهذا سيناريو إيجابي, فالصراع لا يمكن انتزاعه من الظروف الإنسانية والصراع حول بحر الصين الجنوبي, لن يتناقض مع عصر الوعد العظيم لآسيا.