وقفت علي قبره الصغير الملم قواي المبعثرة.. محاولة مني لأمنع نفسي من البكاء عليه في هذه الفترة الزمنية الصعبة.. حينما انتهيت من قراءة الفاتحة علي روحه الطاهرة انهمرت الدموع من عيني.. عادت عواصف الحزن تجتاحني بشدة.. تشاركها أشعة الشمس العمودية.. بحرارتها القاسية.. يجذبني سكون ممتزج بأحزان تبديها شجرة الجميز العتيقة.. كان يلهو ويلعب مع رفاقه في ظلالها.. رميت بجسمي المتهالك علي سرير قديم صنعه أبي من جريد النخيل.. أجد كل ما يحيط بي كئيبا.. الحوائط الأربع.. الأرض المغطاة بقطع أوراق قديمة من مخلفات صناعة أخي الصغير.. طائرات ورقية كان يحبها فارق أبي الحياة بعد أن أوصاني بمراعاة أخي الصغير وحمايته قائلا: أمه ضحت بنفسها من أجل أن يعيش أثناء عملية الولادة. يقتحم الدار حشد هائل من أناس.. نظرت إليهم في اضطراب فوجدتني أعرفهم جميعا فهم رحلوا الي عالم الموت منذ سنوات عديدة يتقدمهم أبي وأمي وأخي الصغير.. يفتح أبي ذراعيه فألقي بنفسي في حضنه.. أعود الي حضن أمي الدفئ بالحنان.. أربت علي رأس أخي الصغير بيدي اليمني.. اقبله فيدغدغني شعره الناعم.. يزداد إقبال الناس علي الدار لم أجد موضعا في الدار أضع فيه قدمي.. قفزت بجسمي لأعلي.. أضع يدي النحيلتين علي أكتافهم.. اتنقل ببطء لأخرج من الدار.. ربما أعثر علي موضع قدمي يتنامي الي مسمعي صوت نشيج.. مثل نشيج طفل يتألم من مرض في أعماق جسمه تاه مني أبي وأمي وأخي الصغير. أدهشني النشيج عندما وجدته صادرا من أعماق الأرض.. أواصل تنقلي علي الأكتاف وأنا أقاوم العطش الشديد.. فوجئت بأنين يمزقني يجيء من أعماق نهر النيل.. شرب الناس ماءه وتركوه يعاني آلام جفافه.. أحاول التوجه الي الشارع العام لعلني أعثر علي سيارة تنقلني الي مكان أستطيع أن أمشي فيه علي قدمي.. يخيفني اكتظاظ السيارات بالبشر واختفاء سطوحها في سيل القافزين عليها. محمود خضري يس قنا قوص