مأساة حقيقية شهدتها منطقة الشرابية سببها الظاهر لهو الأطفال, لكن الخفي هو رغبة طرف في فرض سطوته ونفوذه علي الطرف الآخر الضحية وطرده من مسكنه الذي عاش وتربي فيه لتسفر المشاحنات المتراكمة بين الطرفين عن تأجيج الصراع واندلاع مشاجرة قام فيها الطرف الأقوي صاحب البيت بسكب البنزين داخل منزل أحد المستأجرين الذي كان يعد وليمة للإفطار في رمضان وسط أصهاره وزوجاتهم وأولادهم ليصطدم بالمصير المحتوم وهو تفحم زوجته وشقيقتها ووالدتهما وإصابته هو ووالدته ووالد زوجته وشقيقة زوجته وزوجها وإحدي قريباتهما وأسرة مكونة من ثلاثة أفراد بحروق وسجحات متفرقة بالجسم ليصل إجمالي ضحايا المشاجرة إلي ثلاثة قتلي و9 مصابين علي يد صاحب البيت وزوجته وشقيقتها وأمها العقل المدبر والشيطان المنفذ لأبشع جريمة شهدها الشهر الكريم. اختناق شديد من رائحة مقيتة تزكم أنفك أول ما يستقبلك منذ أن تطأ قدماك المنطقة. تلتقت يمينا ويسارا فتميز عيناك التصادق البيوت بشكل غريب ولا تدري سببا للرائحة التي قد تكون من أثر ترك القمامة متراكمة لفترات, وتري أصابع السكان بارزة وواضحة علي الجدران في معالجحة الشقوق والتصدعات المنتشرة في كل المنازل والبيوت التي لا يرتفع معظمها عن ثلاثة أدوار, تعلوها عشش لكل أنواع النفايات. يسود بين المنازل والمساكن طقس غريب تتصارع فيه فئات فقيرة علي كل شيء في دائرة لا تنتهي من الصدامات لا يعلم أحد متي تتوقف.. إنك في منطقة الشرابية. أحمد حنفي(39 سنة) موظف شاهد المأساة وصاحب الوليمة التي دعا إليها في منزله التي تحولت بفعل جيران السوء لأسوأ فاجعة شهدها الشهر الكريم الذي تحدث بكلمات متقطعة عما حل به من وهن بسبب المصيبة التي أزهقت روح رفيقة عمره ومن يحب, بنبرات من الحزن والأسي سرد أحمد تفاصيل الواقعة التي بدأت بدعوته كل أفراد أسرة زوجته من والديها وشقيقاتها وأزواجهن وأولادهن للتجمع علي مائدة إفطار واحدة كما هي العادة في كل عام بمناسبة الشهر الكريم, وما أن بدأت زوجته حنان(37 سنة) في التحضير مع أمها ماجدة صالح وشقيقتيها مني(35 سنة) وحميدة(33 سنة) لطعام الإفطار حتي خرج الأطفال إلي شارع أحمد خليل بمنطقة أبو وافية مقر مسكنهم ومارسوا ألعابهم الطفولية في إطلاق الصواريخ وسط فرحة من أهل الحارة ليفاجأ الصغار بمن يسبهم ويلعنهم ويلقي عليهم زجاجات المياه الغازية من أعلي المنزل ليكتشفوا أن جيرانهم بالطابق الثالث أصحاب المنزل هم من يقدمون علي هذه الأفعال. ويضيف أحمد حنفي أنه قام بجمع الصغار إلي داخل الشقة طلبا للسلامة لمعرفته بأن جيرانه سيد محمد مادح(35 سنة) وزوجته عزة محمد وشقيقتها عبير ووالدتهما معزوزة يرغبون في إشعال معركة معهم لأتفه الأسباب بعد مساندته أحد الجيران بالعقار في عدم طرده من مسكنه لحساب صاحب البيت. ويشرح أحمد حنفي تفاصيل المأساة فيقول: وما أن انتهت زوجته وأمها من إعداد وليمة الإفطار حتي فوجئ بحماه علي محمود(63 سنة) يعد طبقا مما تحويه سفرة الإفطار ويصعد به للجيران بالطابق الثالث ليكسر من حدة التوتر بين الطرفين ويطرق الباب حتي يقدم لهم طبق الإفطار مصحوبا بجملة رمضان كريم.. وكل عام وأنتم بخير ليفاجأ الكهل بسيل من الشتائم وأقذع الألفاظ في وجهه. وتلتقط حميدة(33 سنة) شقيقة زوجة أحمد أطراف الحديث وتقول إنه فور سماعهم الألفاظ النابية صعدت هي وأمها وشقيقتها إلي الطابق الثالث لمحاولة فض المشاجرة ووأدها قبل تدخل الرجال فيها ليفاجأوا بانهيال سيد محمد وزوجته عزة وشقيقتها عبير ووالدتهما بالضرب علي والدهم الذي كان في حالة استسلام لهم فاشتبكوا معهم لاستخلاص والدهم. ثم يعود أحمد حنفي للحديث مرة أخري ويقول إنه بعد أن وجدوا أن المشاجرة احتدمت صعد وزوجا شقيقتي زوجته إلي أعلي لتقديم الاعتذار عما بدر قبل إطلاق مدفع الإفطار ليفاجأوا بالصدمة الكبري بسكب سيد البنزين أثناء المشاجرة علي درج السلم وعلي ملابس المتشاجرين ثم يشعل عود كبريت ويلقيه عليهم ثم ينسحب وزوجته وشقيقتهما وأمهما إلي داخل شقتهم ويغلقون الباب في وجوههم, وما هي إلا لحظات حتي أمسكت النيران بالمجني عليهم جميعا. ويضيف سعيد أحمد محمد(45 سنة) سائق وزوج إحدي المتوفيات أنه وجد والد زوجته أمامه فاستخرجه قبل أن تمتد النيران إليه فيما هرع أهالي الحارة لإخراج الأطفال من الشقة وتم إنقاذهم جميعا وعندما حاول سكان الطابق الثاني من الجيران وهم علاء زكي وزوجته علا محمد وابنه عمر ومحمد موسي التدخل لإنقاذهم أمسكت النيران بملابسهم, ليشهد إطلاق أذان المغرب احتراق جميع أفراد الأسرة وانشغل كل طرف بمحاولة إطفاء النيران الممسكة بجسده. ويقول أحمد حنفي إن أهالي المنطقة فور سماعهم صرخات الاستغاثة هرعوا إلي داخل العقار وبدأوا إحظار المياه والتراب لإخماد النيران التي لم تهدأ إلا بعد ساعة كاملة, فيما حاول المتهم الهروب بالقفز علي العقار الملاصق لمسكنه والإعلان فرحا بقوله ولعت فيهم.. ولعت فيهم وهو ما استفز أهالي الحارة الذين طاردوه وأمسكوا به وحبسوه داخل أحد المنازل وكادوا يفتكون به لولا تدخل الشرطة, لتحول النيران جسد زوجته حنان وشقيقتها مني ووالدتهما ماجدة إلي جثث متفحمة بعد لحظات من نقلهن إلي المستشفي ويصاب هو بحروق في وجهه ووالدته سعدية محمد(70 سنة) بحروق في أجزاء من جسدها وتم حجزها بمستشفي المطرية, وحماه علي محمود(63 سنة) بكسور في جسده وشقيقة زوجته حميدة(33 سنة) وزوجها سعيد أحمد بحروق في أقدامهم. بينما تصارع إحدي قريبات زوجته ماجدة سعد(30 سنة) الموت بمستشفي الجمعية بالعبور فضلا عن4 من جيرانه بحروق مختلفة. ويضيف أحمد والدموع تنهمر من عينيه أن كل من بقي علي قيد الحياة تحول إلي أشباه آدميين ومحت الحروق ملامحهم الأصلية, فوالد زوجته يهذي بكلمات غير مفهومة, بينما يتساءل زوج إحدي شقيقات زوجته ماذا يقول لأولاده عن أمهم. وبدوره يتساءل حنفي وقد طالت النيران جسده النحيل ولم يعد قادرا علي العمل أو يقوي علي الحركة فضلا عن تحطمه نفسيا لأنه يشعر بأنه سبب الكارثة التي طالت كل أفراد الأسرة لأنه صاحب الوليمة التي ندم علي دعوتهم إليها ماذا أفعل؟ ويختتم حديثه بمطالبته بالقصاص من الجناة حتي لا يسود قانون الغابة لأن نيران الغضب تستعر بنفوس أقارب الضحايا فضلا عن تحامل رئيس مباحث الشرابية عليه وتحويله من مجني عليه إلي متهم.