الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آل بيته الطاهرين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأوقات على بعض، ففضل بعض الشهور على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الليالى على بعض، ومن ذلك ليلة القدر، فهى أفضل الليالى، حيث العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (القدر: 3) وأنها الليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم، «إِنَّاأَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (الدخان: 3-4) ومن فضلها كذلك أنها تتنزل فيها الملائكة يؤمنون على دعاء المؤمنين إلى وقت طلوع الفجر، ومن فضلها كذلك أنها سلامة وخير كلها، لا شر فيها إلى طلوع الفجر. لقد اختلف الفقهاء فى ذلك اختلافا كبيرا، سببه أنه ليس هناك نص قطعى يحدد فيه ليلة القدر، والذى عليه معظم العلماء أنها ليلة سبع وعشرين لحديث زر بن حبيش (رضى الله عنه) قال: قلت لأبى بن كعب: إن أخاك عبد الله بن مسعود، يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: يغفر الله لأبى عبد الرحمن! لقد علم أنها فى العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكنه أراد ألا يتكل الناس، ثم حلف لا يستثنى – أى يقول: إن شاء الله- أنها ليلة سبع وعشرين، قال: قلت: بأى شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالآية التى أخبرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها. قال الترمذىحديث حسن صحيح، وأخرجه مسلم. وقيل: هى فى شهر رمضان دون سائر العام، قال هذا أبو هريرةوغيره،وقيلهى فى ليالى السنة كلها، وآراء أخرى كثيرة لا يتسع الوقت لسردها، ذكرت المختار منها، وهو أنها ليلة سبع وعشرين ودليل ذلك، ما رواه ابن عمر (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من كان متحريا ليلة القدر فليتحرها ليلة سبع وعشرين» وقال أبى بن كعب: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول «ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، وقال أبو بكر الوراق: إن الله تعالى قسم ليالى هذا الشهر – شهر رمضان – على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين، أشار إليها، فقال: هى. أما عن كيف يكون إحياؤها؟ فيكون بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر والدعاء، وغير ذلك من أنواع الأعمال الصالحة، وأن يكثر من دعاء: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى)؛ لحديث عائشة (رضى الله عنها) قالت: قلت : يا رسول الله! أرأيت إن علمت أى ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولى: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى» أخرجه الترمذى، ففى هذا الحديث: إيماء إلى أن أهم المطالب انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب، وطهارته من دنس العيوبوروى أنس قال: قال النبى (صلى الله عليه وسلم): «إذا كان ليلة القدر نزل جبريل (عليه السلام) فى كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم، أو قاعد يذكر الله تعالى، وما الدليل عليها؟ فإن كان السائل يقصد دليل ثبوتها، فقد نزلت فيها سورة كاملة، وهى سورة القدر، وأكثر من آية فى سورة الدخان، وإن كان السائل يقصد ما يدل عليها من علامات: فهى كما قال العلماء لليلة القدر علامات يراها من شاء الله من عباده فى كل سنة من رمضان؛ لأن الأحاديث، وأخبار الصالحين ورواياتهم تظاهرت عليها، ومنها ما ورد فى حديث عبادة بن الصامت (رضى الله عنه) مرفوعا: «أنها صافية بلجة – أى مشرقة مضيئة -كأن فيها قمرا ساطعا، ساكنة ساجية- أى ساكنة البرد والريح والسحاب غير مظلمة-ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وأن من أماراتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ.