إحنا يابني خلاص يالله حسن الختام عبارة شهيرة ينطق بها كل من اشتعل رأسه شيبا وقارب علي السن الطبيعي للوفاة ما بين الستين والسبعين, قال الجملة ذاتها عم خليل الحارس بمصنع الكيماويات بحلوان. والذي يناديه كل من في المصنع من عمال وفنيين ومهندسين بهذا الاسم كان يقولها إلي كل من يقول له مازحا عايزين نجوزك ياعم خليل. قبل أن تأذن شمس أول أيام الشهر المبارك بالمغيب كان عم خليل علي استعداد للمغادرة من منزله متوجها إلي المصنع الذي يقوم بحراسته ليلا وفي يده شنطة بها لوازم الإفطار من بعض ثمرات البلح وقطعة من الدجاج المطبوخ وقليل من عصير التمر ورغيفين من الخبز البلدي أعدته له زوجته التي قالت له وهي تعطيه الشنطة لازم يعني تبات في المصنع أول يوم في رمضان كان نفسنا تفطر معانا ويرد عليها قائلا البركة في العيال. ويغادر عم خليل مهرولا إلي المصنع ويبدأ يوم عمل جديدا مباركا استبشر به خيرا عندما ودع زميله المناوب عنه في الفترة الصباحية والذي ألح عليه أن يتأكد من غلق جميع الأبواب قبل حلول الظلام وأن يعيد تفقد المصنع من الداخل بجميع عنابره حتي السور المحيط به تحسبا لأي شئ يمكن أن يكون العاملون بالمصنع تركوه. وبعد تنفيذ التعليمات كرغبة أكيدة في تقوي الله في العمل انتهي عم خليل من جولة سريعة بالمصنع وأطمأن علي أن كل الأمور تسير علي مايرام في كل جنبات المصنع. ارتفع صوت أذان المغرب بأحد المساجد القريبة من المصنع معلنا نهاية أول أيام الصيام في الشهر الكريم وتناول عم خليل إفطاره بادئا بثمرات البلح داعيااللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت وارتوي بماء القلة التي يفضلها علي مياه مبرد المياه المثلجة وتوضأ وصلي المغرب أمام حجرته التي تقع قرب البوابة الرئيسية لمدخل المصنع وأمامها حوض من الزروع والحشائش وأشجار الزينة التي نسمت هواء باردا أول الليل بعد أن رواها الرجل بالمياه عصرا بعد قدومه مباشرة. فضل عم خليل التوجه إلي أقرب مسجد لتأدية صلاة العشاء والقيام بدلا من صلاة الفرد التي يؤديها بمفرده وتذكر فضل صلاة الجماعة علي صلاة الفرد وكانت ثقة الرجل كبيرة في سلوك الناس في رمضان خاصة مع أول يوم من الشهر المبارك. وبعد عودته من الصلاة جال جولة سريعة في جنبات المصنع حتي تأكد من هدوء الأجواء والذي كان علي مايبدو هو الهدوء الذي يسبق العاصفة حيث انه بمجرد أن وضع رأسه بجوار راديو عتيق لايسمع منه إلا إذاعة القرآن الكريم غرق في سبات عميق ونام مطمئنا. وفجأة قام مفزوعا علي صوت كان قد تعود سمعه قبل ذلك وتذكره كما لو أن الزمن عاد به إلي الوراء ثلاثين عاما عندما تذكر حادثة الهجوم علي المصنع من قبل أحد اللصوص الذي أمسك به ولقنه علقة ساخنة. وعندما أفاق ممسكا بعصاه الخشبية وقبل أن يخطو خطوتين كان سكين غادر قد انغرس في صدره, حاول الاستغاثة ولم يستطع وسرعان ما سدد له اللص طعنات سريعة سقط علي إثرها غارقا في دمائه ولم يتركه إلا بعد أن أوثقه بسلك معدني وبشاله الذي يلفه حول رقبته خوفا من أن يتحرك حتي بعد أن تأكد من موته تماما. وفي صباح اليوم التالي وعلي غير العادة وجد العمال باب المصنع مغلقا ولا صوت يعلو فوق صوت السكون رغم ندائهم المتواصل علي عم خليل. ظنوا في بداية الأمر أن الرجل غرق في النوم بعد سهر ليلة طويلة أو أنه في جولة تفقدية كعادته حول المصنع ولكن تبددت تلك الظنون بعد أن كسروا قفل الباب وفجأة كانت الكارثة حيث وجدوا عم خليل غارقا في دمائه وبجواره أداة القتل. وعلي الفور أبلغوا اللواء محمد الشاذلي نائب مدير أمن القاهرة لمنطقة حلوان الذي أمر بتشكيل فريق بحث من ضباط البحث الجنائي بإشراف اللواء حسن السوهاجي مدير المباحث الجنائية للفحص والمعاينة حيث عثر علي جثة خليل كامل عبد النور(65 سنة) خفير بالمصنع ومقيم بمنطقة أطلس بحلوان داخل غرفة بمدخل بدروم المصنع مسجاة علي جانبها الأيسر مرتديا ملابسه بالكامل موثوق اليدين والقدمين باستخدام سلك كهربائي وشال أبيض ومصاب بجرح بالرأس والصدر. وباستدعاء وسؤال بيتر ميشيل(36 سنة) محاسب بالمصنع ومقيم بحلوان قرر اكتشافه سرقة33 ألف جنيه كانت بداخل الخزينة ولم يتهم أو يشتبه في أحد بقتل المجني عليه أو سرقة المبلغ المالي حيث قام اللص بعد توثيق عم خليل بالتوجه إلي مكان الخزينة وقص أجزائها بالصاروخ الكهربائي وهو أسرع وسيلة نشر وسرق محتوياتها بالكامل. وبعد إبلاغها سقط الخبر علي رأس أسرة عم خليل كالصاعقة وصرخ الجميع قائلين ليه وفي أول يوم من رمضان؟ وبعد أن عاينت المباحث المصنع والخزينة سادت حالة غير مألوفة من الحزن والسكون رغم أن ماكينات المصنع بدأت في العمل وقد تساءل الجميع ليه يتقتل وفي أول يوم في رمضان أين رحمة البشر؟ قتل عم خليل الذي كان دائما يقول يالله حسن الختام والفاعل مجهول فهل تنصف السماء الرجل ويتم القبض علي المجرم ذي القلب المتحجر.