بعد أكثر من عشر سنوات عشتها في بيت زوجي لم أعد أعرف نفسي وكأنني قد تبدلت لإنسانة أخري غريبة, ضائعة, تتلقي من الدنيا ضربات متتالية وهي متبلدة, ساكنة, تجمدت الأحاسيس منها حتي الموت علي قيد الحياة..!! في ذلك اليوم من عمري كنت علي موعد مع القدر تتشكل حياتي من جديد وتأخذ طورا آخر ليس فيه ذلك التدليل في بيت أبي, كنت فتاة يافعة الشباب نضرة ذات حسن أخاذ, يطرق خيرة الفتيان بابها طلبا للزواج وأتدلل تمنعا حتي ارتضي أبي رجلا رأي فيه المواصفات التي تناسبني ولم تكن تلك المواصفات مناسبة إلا من وجهة نظره هو, وكيف لا يراه كذلك وهو صنايعي كسيب ولديه شقة وهيساهم في العفش بمبلغ كويس وجواز البنات سترة و.. و.. إلي آخر الأسباب التي جعلت مني فجأة جارية أسيرة في بيت رجل لا يري في إنسانة لها وجود غير أن تكون ماعونا للولد ومتعة للفراش, يمتهن كرامتي كيف يشاء وليس لي حق الشكوي فهو الرجل ليس بعده شيء في البيت.. يضربني.. يسحلني.. يحقق رجولته في كيفما يحلو له.. لا يريني ضوء النهار في الشارع حبسا انفراديا, يبخل علي حتي بأدني حقوقي من التنفس بحرية والتحدث إلي جارة أو زيارة أمي, وكيف أفعل هذا وهو يدعي الخوف علي والغيرة من كل شيء, ولما لجأت لأهلي وشكوته إليهم لم ينصفوني وقرروا لي مبدأ لا حياد عنه أن لا طلاق في العائلة وكل واحدة تصبر علي بيتها وجوزها والست اللي تعشش مش اللي تسيب بيتها فلم أجد أمامي غير الاستسلام لواقع مر كتب علي أن أعيشه مرغمة, أتجرع مرارته علقما كل يوم وأنا صاغرة ذليلة لا أملك من أمر نفسي شيئا ولا ضير من تلقي الإهانات والاعتداء باليد في أحايين كثيرة, أعيش في بيتي كالحيوان ليس له غير شيء من طعام يكد به ويلهث طول النهار, ويأتي علي في آخر النهار ليل الجواري والويل لي إن شكوت تعبا أوإجهادا, علي الجارية أن تتهيأ له وتسعده حتي يثبت رجولته منتفخ الأوداج ينفث سمومه في روحي حتي أموت ألف مرة. كانت الأيام تنقضي زحفا بطيئا لا يهون مرارة العيش فيها غير أولادي الثلاثة, رزقني الله بهم قطرات ماء بارد في أيام قيظ حارة, يشدونني للحياة أشعر أن بها شيئا جميلا وأن نقطة ضوء واحدة تكفي لكي تقشع ظلمة الأيام كلها وتعينني علي الصبر والاقتدار والتحمل ولكنها الأقدار كما شاءت لي العذاب شاءت لي الراحة بعض الشيء مؤخرا فقد وهنت صحة زوجي ما أقعده وذابت سطوته بين ثنايا المرض وذل الاحتياج لمن يساعده حتي علي الحركة إلي الحمام, وكما كنت له في قوته كنت له في مرضه وساندته طويلا حتي أتم الله عليه الشفاء ولكنه لم يعد قادرا علي العمل ووجدتني أتحمل المسئولية كاملة أبا وأما, أخرج في الصباح للعمل وأعود في آخره كادة منهكة يكاد يغشي علي ومعي ما لا يقيم أود الصغار وثمن الأدوية التي يحتاجها زوجي, لا أدري ماذا أفعل الإيد قصيرة والعين بصيرة يساعدني إخوتي بما لديهم من فتات ولكنها الحوجة قهرتني ودمرتني نفسيا وبدأت أتردد علي مستشفي قصر العيني أخضع لجلسات نفسية وعلاجات ومهدئات حتي أتعايش مع الأيام بصورة طبيعية ولكن المأساة لا نهاية لها, وكأن ذلك اليوم الذي خرجت فيه من بيت والدي لم أخرج فيه إلا لنهايتي المؤلمة ومعاناة طويلة امتدت مع العمر سنوات حتي الآن. أكتب لك اليوم يحدوني الأمل في عالم آخر غير الذي أعيش ربما يستطيع أحد ممن اختصهم الله بقضاء حوائج الناس أن يساعدني في الوصول إليه فأنا أحلم بفرصة عمل حقيقية أقتات منها وأولادي وإن ضاقت السبل لن يضيق الحلم بي عن الوقوف في كشك للحلويات نستتر وراءه ونحصل علي الرزق بما يحفظ كرامتنا, فهل يتحقق الحلم؟ ج. ل. الجيزة شيء من الصبر هو عنوان حياتك الطويلة ياسيدتي, والذي أعانك في هذا المشوار الطويل حتي قاربت رسالتك أن تكتمل لقادر علي شمولك برحمته ورعايته حتي تسعدي بأولادك ما يعوضك عن مرارة العمر المنقضي ولك أن تعلمي أنه بقدر صبرك بقدر رضا الله عنك.. إن آصابته سراء خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر, فكانت خيرا له.. ولعل الخير في انتظارك يا ابنتي فإن بعد العسر يسرا.