عتمد النجاح في أي أمر, سواء مستوي الأفراد أم الدول أم المؤسسات, علي وجود تخطيط جيد لهذا الأمر, يحدد الأهداف المطلوب تحقيقها من خلال الوسائل الممكنة والإمكانات المتاحة. ومما لا شك فيه أن التخطيط للمستقبل أحد ثمار النظرة الصحيحة له; فالمستقبل ليس صدفة أو ضربة حظ أو عملا عشوائيا, ولكنه محصلة طبيعية لأسلوب الإنسان ومنهجه في الحياة; ومن هنا تكون صناعة المستقبل من بين الصناعات الممهمة في حياة البشر. وقد عنيت الشريعة الإسلامية بأمر المستقبل, في إطار عنايتها بكل ما يحقق للإنسان أهدافه وطموحاته, بل إنها جعلت التخطيط له مبدأ من مبادئها الشرعية, وضرورة من ضروريات الحياة, سعت به إلي الرقي بالحياة وتحسين نوعيتها, وتعظيم النتائج والآثار المترتبة عليه; لتأخذ البشر من خلال التخطيط السليم من مستوي( الحياة العادية) إلي مستوي( الحياة الطيبة), ومن مستوي( الضروريات) إلي مستوي( التحسينيات) أو الكماليات, ومن مستوي( القلة والندرة) إلي مستوي( الكثرة والوفرة). وذلك من منطلق أن الحياة جزآن لا جزء واحد: جزء في الدنيا يسميه القرآن الكريم ب( الحياة الدنيا), وجزء في الآخرة يسميه القرآن ب( الدار الآخرة); ومن ثم يربط بين الجزءين; ليجعل الثاني منهما نتيجة طبيعية للأول; فالآخرة محصلة للحياة, وذلك في قوله تعالي:{... اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد...}, سورة الحشر:18] فالغد هو المستقبل الأخروي وليس الدنيوي فقط; لأن الدنيا مزرعة للآخرة; فهما يتكاملان ولا ينفصلان, سواء في العمل أم النتيجة. ولا شك أن التقديم للغد لا يكون إلا عن طريق التخطيط له, والاستعداد لكل مفاجآته وتحدياته, بتوقع الاحتمالات كافة التي يمكن أن تتحقق فيه, والسعي إلي اختبار أفضلها وأكثرها نفعا للإنسان; ومن ثم جاء قول النبي- صلي الله عليه وسلم-: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك, رواه الحاكم في مستدركه, وقال: صحيح علي شرط الشيخين]. وجاء أيضا قوله- صلي الله عليه وسلم-: أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس, أخرجه البخاري في صحيحه], أي يطلبون منهم المساعدة والعون. وهذا لن يتحقق إلا بالنظر إلي المستقبل, والتخطيط الجيد له, واستشراف ما يحتوي عليه من فرص وتحديات, وتفادي الأزمات التي يتوقع حدوثها, علي نحو ما قام به سيدنا يوسف- عليه السلام- عندما نظر إلي المستقبل وهو يفسر رؤيا الملك, وتوقع حدوث مجاعة, فوضع الخطة المناسبة لتفادي حدوث المجاعة, علي نحو ما ورد في قوله- تعالي- في سورة يوسف:{ قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون(47) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون(48) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون(49)}. إن العناية بالمستقبل لا تقف عند حد النظر أو التطلع إليه, ولكنها تتجاوز ذلك إلي التدبير المحكم والتخطيط الجيد, والقراءة الواعية لما يحمله من تحديات ومفاجآت, وذلك كله من لوازم النجاح وتحقيق التقدم.