يشغلنى دائماً المستقبل والحديث عنه. ودراسة المستقبل والعمل له، فى ظنى، واجبة على كل من يريد أن يبنى المستقبل الزاهر بعيداً عن العشوائية. ودراسة المستقبل ليست أبداً رجماً بالغيب كما يراه بعض أهل الجمود والتخلف، حتى لو ارتدوا ثياب المصلحين واحتكروا تفسير الدين والشريعة. نقرأ فى القرآن الكريم «يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله». ففى هذا الجزء من الآية الكريمة رقم 18 من سورة الحشر، يدعو الله تعالى الذين آمنوا أن يتقوا الله تعالى، قبل النظر إلى ما قدموه أو ما سيقدمونه للغد (أى المستقبل)، ويدعوهم إلى أن يتقوا الله تعالى بعد أن ينظروا إلى ما قدموا للغد (أى المستقبل). وهذا هو الفرق بين من يريد أن يبنى مستقبلاً على أسس صلبة من الإيمان والتقوى معاً فيكون بناء المستقبل محشوراً بين تقويين، وبين من يهمل ذلك لأى سبب من الأسباب. كما أننا نقرأ «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً». طبعاً فى الدنيا أو الآخرة أو فى كليهما. تذكرت هذه الآيات الكريمات، وجلست أفكر فيما قدمناه للغد (المستقبل) بعد نجاح ثورة 25 يناير، فلم أجد كثيراً مما تحوطه التقوى. صحيح هناك من المؤمنين من قدم للغد، صلاة وزكاة وصوماً وحجاً، وهذا مما ينفع أولئك حتى بعد الموت ويوم الحساب. وإذا كثر ذلك الخير فى المجتمع، وتعمق الإيمان فى النفوس وأحسن الناس عملاً فى ضوء العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة، يصدق فيهم قول الله تعالى «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض» سورة الأعراف. ولكن هذا وحده ظاهرياً، لا يصلح لرسم مستقبل جميل أو نموذج موحٍ محلياً فى أى قطر على حدة أو فى الأمة العربية أو الإسلامية، حتى يعجب الآخرين فيتبنوه، بدلاً من الاستيراد من الخارج، كما نستورد أحياناً الطعام والشراب واللباس، وهناك من قدم مظاهرات خالية من التقوى على الأقل ومليئة بالدماء مما لا يبنى المستقبل. انشغل بعض الإسلاميين بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وبعيدة كل البعد عن بناء المستقبل مثل فتاوى الاستحلال الذى يشمل استحلال الدماء والأموال والأعراض التى أكد على عصمتها الرسول صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع، ولعل من نتائج ذلك فتوى «جهاد المناكحة» بشأن إرسال بعض النساء إلى سوريا -كما يرسل بعضهم أسلحة أو إغاثة- لتنفيذ ذلك الجهاد الضرورى فى ظنهم، ونسوا أن الله طيب لا يحب إلا الطيب، ونسوا آيات الزنى وعقابه، وهى الفتوى التى تأتى على غرار بعض ما تفعله الدوائر الغربية عند الحروب من إرسال بعض النساء مع الجيوش الغربية للتسرية على الجنود. وهذا عكس ما كان يفعله حتى بعض العرب فى الجاهلية، ثم المسلمون الأوائل فى صدر الإسلام، حيث كانوا يحملون معهم نساءهم فى الحرب فيزدادون حماسة فى أعظم جهاد عن الدين ومنه العرض أى الشرف، فيموتون دون ذلك أى يحيون وقد حموه. هناك فتاوى أخرى بالتكفير، طالت الرئيس مرسى والإخوان جميعاً وغيرهم، آخرها فتاوى منظّر الجهاد سيد إمام، المعروف فى دوائر الأفغان والأفغان العرب والأمن العالمى باسم د. فضل، وقد تكون هذه الفتاوى مما يثير الفتن بشكل أكبر فى مصر كما حدث فى بلاد أخرى، ويثير اتهامات لمصر بالإرهاب، فتدخل أمريكا لمواجهته لأن مصر فى ظنهم تكون آنئذ غير قادرة على ذلك. وهو السيناريو الأسوأ المتوقع فى مستقبل مصر من بين السيناريوهات الأربعة التى كتبت عنها من قبل، وقد يدعم هذا السيناريو أيضاً تهميش دور الأقليات أو الإنقاص من قيمة مواطنتهم أو هدم كنائسهم أو خطف أبنائهم، وهذا مما يدخل فى بناء المستقبل السلبى أو العشوائية.