عندما تشعر بأن الحياة تنسحب منك شيئا فشيئا ويحترق القلب منك وتتفحم الأيام سوادا وخوفا في ليالي الترقب والفزع من لحظة النهاية اعلم أنك مقبل لا محالة علي النهاية المحتومة التي لا بديل عنها..! حتي تلك السطور التي أكتبها لا أدري إن كنت أبقي حتي أقرأها أم لا ولست طامعة في حل لمأساتي فقد سبق السيف العزل وليس أمامي غير انتظار المصير المحتوم ولكن لا أعرف له توقيتا. مأساتي أني أعرف مصيري وقدري أن أتجرع مرارة الآلام في جلسات الغسيل الكلوي كل أسبوع, ولعل ما بقي من أيام يمر سريعا وأستريح من كل شيء الألم والانتظار. قبل أشهر قليلة كانت حياتي عادية لا أشكو فيها من شيء ولم أكن أدري أن السعادة التي حلمت بها وبدأت أعيشها ليست إلا سرابا سرعان ما تبخر كدخان يحترق.. كأي فتاة علي أعتاب الشباب أخذتني الأحلام وخيالات المراهقة وملامح فتي الأحلام نحو مشاعر دهمتني ولم أدرك ما هي غير أني انجذبت لشاب وكأنه الحياة قد تفتحت بالأمل والسعادة إلا منه, لعله الحب الذي يقولون عنه ولم أخش منه لهوا أو سوءا فقد كان جارا لنا, نعرفه ونعرف أمه وأباه وأخلاقه من أخلاقنا ما دفعه أن يأتي لوالدي طالبا يدي ولم يمض علي علاقتنا وارتباطنا العاطفي عام, وكم كانت سعادتي بمباركة أهلي زواجنا وثقتهم الكبيرة في حبيبي والتي اكتسبها بشخصيته وأسلوبه الراقي في التعامل معهم, كان يتحدث وكأنه السحر يسكن كلماته فيأسر كل من يسمع له فيحبه, ولم يدهشني ذلك الحب فقد سبقتهم ووقعت في حبه ولكن إلي درجة العشق, ما كنت أصدق أن الدنيا يمكن أن تمنحني كل هذه السعادة وأن خيالات القصص والمسلسلات يمكن لها أن تلقي بظلالها علي واقع حياتي فتشعل في طريقي مشعلا من نور يملؤني سعادة وحبا..! لم تمض شهور قليلة حتي جاء موعد الزفاف وأنا بعد لم أكمل عامي الحادي والعشرين وكنت أدرك أني مقبلة علي حياة جديدة ومسئولية بيت وزوج وأولاد وأهلت نفسي لها وكيف أكون أما قادرة علي تربية أولادها بالشكل الصحيح وكيف أسعد زوجي وحبيبي؟ وكانت أول ليلة لي في بيتي هي البداية الحقيقية لتلك المرحلة الجديدة من حياتي ولقد كان زوجي عطوفا رقيقا معي إلي أقصي درجة يبذل قصاري جهده لإسعادي ولم أدر أن عمر سعادتي هذه قصير وأنه سرعان ما سينتهي وأصطدم بصخرة صماء من الألم تعتصر نفسي فزعا فقد دهمتني آلام مبرحة بشكل مفاجئ وشيئا فشيئا تبدي لي ذلك الواقع المرير الذي بدأت إرهاصاته بوجع غير محتمل لتتزايد الآلام المبرحة وأكتشف بعد رحلة طويلة من الفحوصات والتردد علي عيادات الأطباء والمستشفيات أنني مصابة بالفشل الكلوي وعلي أن أخوض ماراثون غسيل الكلي كل أسبوع لتبدأ معها انتكاسة سعادة ويسقط قناع البراءة من علي وجه زوجي ومصدر سعادتي, ضاق بي وبظروفي الصحية مع أول أيام المرض, لم يكن ضيقه من مرضي لأسباب مادية ولكنه ضاق من معاشرة إنسانة مريضة قد لا يكون أمامها أمل في العيش. تبخر الحب وتلاشت الأيام الجميلة وكتبت الأقدار لي نهاية حياتي الزوجية قبل أن تبدأ علي ورقة طلاق, ونهاية أخري حتمية علي فراش المرض. عدت لبيت والدي وقد أورثتني الأيام حزنا دفينا أثقل علي من نقل المرض وآلامه فقد أحببت زوجي وحياتي معه ولكنه لم يحبني ولم يحب حياتي معه, هل كان حبه زائفا هشا لم يقو علي مواجهة واقع ومصير مؤلم كالذي أنا فيه الآن, هل كان علي حق في هروبه مني وأنا التي طمعت في شئ ليس لي؟ ربما أجد له عذرا فماله هو بمن كتبت لها أسباب النهاية وهو بعد لم يبدأ حياته, لعلي لست ناقمة عليه بل أعذره وأسامحه من كل قلبي وأتمني له حياة سعيدة وليعينني الله علي محنتي, أعرف أن المشوار طويل وشاق ومكلف ماديا أيضا ولكن والدي معي في ظهري سند لي ودعم مادي ومعنوي, يقويني, يشد من أزري, يهبني الأمل دائما, يقول لي صل يا ابنتي لله فهو أرحم الراحمين بعباده, لديه أسباب الشفاء كما أن لديه أسباب الداء وما بين هذا وذاك حكمته التي يجب أن نتقبلها صبرا وإيمانا. أكتب لك حكايتي وكأني أحفر الحروف بسن الألم ومداد الدم, أخشي أن أفقد الأمل في الشفاء, يمتلئ قلبي بالخوف, يقولون لي إنه يمكن أن أجري جراحة لزرع كلي من متبرع وليست لدي مشكلة في ذلك فهناك من يريد التبرع لي من أهلي وهناك من يريد ذلك بالمال وليست لدي مشكلة في نفقات العملية ولا المتبرع فوالدي علي سعة من الرزق ولكن المشكلة تكمن في المخاطرة نفسها فحالتي متأخرة إلي حد خطورة الجراحة معها علي حياتي. فليرحمني الله ويمنحني القدرة علي ما هو آ ت راضية بقدره مؤمنة بحكمته, لا أقنط من رحمته, ما ضية في إرادته, صابرة علي محنتي حتي يقضي أمرا كان مفعولا. ك. م. القاهرة شيء من أمل يسكن القلب يا ابنتي لهو كفيل بأن يقشع ظلمة اليأس ويستضيء به طريقك في الحياة فلا تقنطي من رحمة الله إنه أقرب إليك من حبل الوريد وإذا كانت إرادته في اختبارنا بالمرض يصيب الجسم أو النفس فيجعلها تتألم وتتوجع ففي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو وفي هذا قال تعالي بسورة المزمل: علم أن سيكون منكم مرضي وآخرون يضربون في الأرض ولكن ياابنتي كل مرض وله شفاء عند الله فلا تركني لليأس يغلب إرادة الشفاء من عنده سبحانه في نفسك أما الطب فهو الوسيلة نتبعها بأمر من الله سعيا وراء الأمل في الشفاء وصدق الله تعالي عندما ذكر علي لسان إبراهيم بسورة الشعراء وإذا مرضت فهو يشفين ما يؤكد أن الشفاء بيد الله وحده وهكذا نحن نعيش في الدنيا بإرادة الخالق فينا يا ابنتي وكل منا وله علته والاختبار الذي يمتحننا ولعل قول الله عز وجل في سورة الصافات ما يوضح للإنسان مدي قدرته عز وجل في الابتلاء بالداء والشفاء بالدواء فنظر نظرة في النجوم* فقال إني سقيم* فتولوا عنه مدبرين. أما أمر زوجك والحب الذي كان عليه وسرعان ما تبخر برحيله فهذا لم يكن حبا حقيقيا ولكنه نوع من التعايش كان عليه معك أراد منه أن تنبني عليه عشرة طيبة بينكما مع الوقت ولكن محاولته هذه اصطدمت بواقع حالتك المرضية فتحطمت وهرب سريعا وقد لا يكون له عذر أو تبرير كما تقولين فهو غير راض بقدر الله ولا صابر عليه وفي هذا ضعف في إيمانه فلا تبتئسي واغتنمي إيمانك صبرا واحتسابا وانتظري من الله الخير بقدر صبرك علي البلاء.