يوما بعد يوم تحوز ثورة25 يناير مكتسبات جديدة, وآخر مكتسبات الثورة ذوبان أهم كتلة كنا نسمع عنها في الماضي, كتلة كانوا يطلقون عليها الأغلبية الصامتة. تمثل النسيج الأكبر من الشعب المصري, وعرف عنهم الابتعاد التام عن لعبة السياسة والانتماء إلي أحزاب, وهو أمر عائد في المقام الأول لقمع أصحاب الرأي والنخبة ممن كانوا يحاولون ترديد كلمة لا للنظام السابق. الأغلبية الصامتة كانت كتلة تحدث عنها المخلوع حسني مبارك وهو يدعو الملايين للسماح له بالاستمرار في رئاسة الدولة حتي نهاية فترة رئاسته, وهي كتلة يعتمد عليها كل مثيري الشغب والفوضي في البلاد منذ الحادي عشر من فبراير أملا في أن يظهر من يقول كفرا بالثورة كانوا يطلقون عليها الكتلة الصامتة وهو لقب يرجع في المقام الأول إلي حالة التخويف والرهبة التي سيطرت علي الملايين من الدخول في معترك السياسة أو الاقتراب ولو همسا من ارتداء ثوب المعارضة. كتلة مصر الصامتة الآن أصبح لها صوت وباتت واقعا يترجم إلي تصرفات علي الأرض المصرية, كنا نراهم في المقاهي يجتمعون لمشاهدة مباريات كرة القدم فقط, أو موجودين في الملاعب للمتابعة الحية, الآن يتحدثون عن الكرة والسياسة ولم تعد المباريات وسيلة الهاء, بل بوابة للديمقراطية فنري من يهتف مطالبا بالاعتذار للثوار عن مساندة مبارك ونظامه, ونري من يهاجم الحكومة ليسمعه الملايين رفضا لقرارات أو اعتراضا علي سياسات الأغلبية الصامتة كتلة انتهت في الشارع المصري. هذه الأغلبية الصامتة بدأت في الظهور فعليا عندما جري الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مارس الماضي والذي شهد حضورا قياسيا تجاوز ال17 مليونا من الشعب المصري, منهم من قال لا والأغلبية ذهبت لنعم ولكنهم في النهاية مارسوا حقا دستوريا لهم اطلقوا من خلاله العنان لبدء عصر ما يسمي ذوبان الكتلة الصامتة المجتمع المصري بعد25 يناير لم يعد هو المجتمع المصري قبل25 يناير, والبيت المصري الذي يشكل قوام ونسيج الوطن يشهد تغييرات هائلة الآن بات يمثل صورة لائتلاف يتضمن الأب الاخواني والأم السلفية والابن الليبرالي والابنة اليسارية, والمجتمع الآن يتشارك في صناعة القرار, وانتهي زمن الديكتاتورية بما فيها أوامر الآباء التي تحولت إلي نصائح وتطرح للنقاش قبل اتخاذ القرار. وتوسعت تلك الظاهرة لتشمل مجتمعا أكبر وهو مجتمع الدولة, الجميع الآن له مرجعيات يتحدث من خلالها ويدعو من خلالها, والحديث عن السياسة وطرح الآليات بات عنصرا متوافرا نراه حتي من السيدات وربات المنازل, فهن أصبحن بطلات الغالبية العظمي في المداخلات الهاتفية ببرامج التوك شو السياسية يقدمن الاقتراحات حول رؤية المستقبل بالنسبة إلي مصر, منهن من تدعو لتجديد الثقة في المجلس العسكري ومنهن من تري ضرورة التغيير في الحكومة, وهذا انعكاس عن الوضع السياسي الجديد الذي يشهده الشارع السياسي المصري. الميدان كتب خلال الساعات الماضية ظهور آخر فئة لها مرجعية فكرية وهي فئة السلفيين التي ظهرت بكثافة في جمعة الإرادة الشعبية, وهو ظهور يعد الأول من نوعه لهذا الفئة خروج السلفيين إلي ميدان التحرير وباقي ميادين الجمهورية كان آخر أوراق الظاهرة التي باتت تفرض نفسها علي المجتمع المصري, فهو الظهور الأول لهم في عالم التظاهر ات السلمية, والخروج إلي الميدان للتعبير عن ارائهم فهم حتي الجمعة الماضية كانوا من أشد المعارضين لفكرة الاعتصامات بل ودار حولهم جدل كبير وقت بدء ثورة25 يناير لعدم المشاركة الفورية في الثورة, وإتخاذ موقف محايد قبل ان يعلنوا الانضمام إلي الشعب في ثورته علي الحاكم, ولكنهم ابتعدوا عن الوجود في الميادين في وقت شاهدنا تيارات مختلفة ظهرت مع خلع الرئيس السابق, ومنها أحزاب عرفت النور مثل الوسط, وتأسيس أرقام قياسية لم تشهدها مصر من أحزاب وأيضا ائتلافات. ويقول الداعية صفوت حجازي أحد أبرز وجوه ميدان التحرير في ثورة25 يناير ان التحول المثير في الشارع المصري سببه نهاية عصر التخويف الذي سيطر علي النفوس وهيمن علي القلوب إبان النظام السابق الذي كان يوجه رسالة مباشرة إلي الشعب المصري مضمونها أن المتكلم في السياسة معارض للنظام وينتهي الي السجن, ونجح في بث الخوف من خلال القاء صفوة شباب مصر ومفكريها في السجون. ويكمل الداعية حجازي النظام الآن انتهي وزال الخوف, وهو أهم مكتسبات ثورة25 يناير لهذا وجدنا الآن تيارات سياسية مختلفة ونسمع عن ائتلافات لا حصر لها, وحركات سياسية وغيرها وكلها لها فكر سياسي تطرحه علي الرأي العام.ويؤكد الداعية أن بداية الديمقراطية الحقيقية في أي عالم هي زوال حاجز الخوف بين الحاكم والمحكوم, وعلي الشعب أن يقول كلمته وعلي الحاكم أن يبحث عن الصالح العام فقط, وهي ظاهرة ايجابية وفي صالح مصر أن تعدد الاتجاهات والرؤي السياسية, لبناء دولة جديدة تعبر عن اسم ومكانة مصر الحقيقية.