هدي ذات الثمانية عشر ربيعا... أجمل زهور بستان شهداء ثورة25 يناير.. لم يقو الموت علي أن تخون العهد الذي قطعته مع شقيقها ابراهيم لا يفرقهما شيئ حتي الموت. وعندما اغتالت رصاصات الغدر شباب شقيقها الأصغر وشاهدته مضرجا في دمائه وقبل أن تصل اليه كان القدر هو الفائز في مساحة الموت فأقتطف زهرة شبابها هي الاخري ليصبحا علي عهدهما معا وهما في زمرة شهداء ثورة25 يناير. لم تكن نهاية الفتاة الصغيرة هدي هي المأساة الوحيدة.. بل سبقتها في حساب الزمن مآس وأحزان رسمت أيامها بلون السواد قبل أن تبلغ السنوات العشرين من عمرها القصير في الدنيا التي أبت أن تمنحها السعادة خلال رحلة حياتها التي لم تدم طويلا بداية من فرحتها بحصولها علي شهادة الاعدادية ولكن الظروف فرضت إرادتها لا تستكمل مشوار التعليم لرعاية والدتها ثم مرورا بفرحتها بدبلة الخطوبة لأشهر قليلة واللهفة علي إرتداء فستان الزفاف الذي كتب لها القدر ان يكون الكفن الأبيض بديلا عنه.. أما عن المحطة الأخيرة أن ترقد علي الموت وتودع الدنيا ولكنها لم تودع أسرتها المسكينة, ثم تلتقط أصابع ومشارط أطباء الطب الشرعي جسدها النحيل المنهك من رصاصات الغدر لتشريحه ليس لتحديد سبب الوفاة لانه معلوم لدي الجميع بل كي يكون تقرير الطبيب الشرعي في النهاية هو الوسيلة الوحيدة للحصول علي حقها بعد أن أصبحت في عداد شهداد25 يناير رغم أنها لم تشارك في أي مظاهرات.. ولكن رصاصات الغدر كانت لها بالمرصاد كي تقطف زهرة شبابها وهي تدافع عن أخيها الذي أصبح شهيدا هو الآخر.. وتلك مأساة أخري اصابت الأسرة المسكينة في مقتل بفقدان الابنة والابن في لحظات. هدي محمد السيد الطهطاوي18 سنة هي آخر شهداء ثورة25 يناير بالاسكندرية... تلك هي المعلومات التي كانت متوافرة لدينا عن الشهيدة هدي ومن أجل الوصول لمزيد من المعلومات كان الطريق محفوف بالأحزان وأيضا المخاطر.. وبعد رحلة بحث التقينا مع شقيقها الأكبر وليد محمد السيد29 سنة عامل نظافة بأحدي الشركات الخاصة... المهمة غاية في الصعوبة كما كان حديثه بصعوبة بالغة ومن بين دموعه وأهاته تخرج كلماته مغموسة بالحزن والقهر والحسرة علي فقدان الشقيقة والشقيق معا.. بدأ حديثه قائلا... هدي الأخت الوحيدة لي هي وشقيقي الشهيد إبراهيم الذي كان يبلغ من العمر17 عاما وكان عامل محارة.. والدي كان عاملا في ملاهي كوته بمنطقة الازاريطة وقد سقط اثناء عمله من أحدي اللعبات أدت إلي فقدان بصره وبعد فترة توفاه الله وهدي لم تتعد السنوات العشر... أما والدتي فهي معاقة حركيا وتعيش علي كرسي متحرك لذلك عندما حصلت هدي علي الشهادة الاعدادية لم تستطيع استكمال تعليمها من أجل رعاية والدتها.. وفضلت القيام بدور الأبنة الواجب عليها تجاه أمها.. وقبل ستة أشهر تقدم لخطبتها أحد الشباب وكم كانت سعادتها وفرحتها وهي متلهفة لارتداء فستان الزفاف الأبيض... لم تكن فرحتها بمفردها بل فرحتنا كلنا لان هدي كانت زهرة الحجرة الصغيرة التي نعيش فيها فوق أسطح عقارات منطقة الأزاريطة.. وعقب خطبتها شعرت بالمسئولية لانني مطالب أن أقوم بتجهيزها حتي تصل لعش الزوجية.. وبالفعل قمت بشراء قطن التنجيد والقماش والستائر التي أختارتها هي بذوقها.. وشرعت في الاشتراك في جمعية مع بعض الاصدقاء وكي أقوم بشراء الأجهزة الكهربائية بها كالتليفزيون والبوتاجاز والثلاجة. ويقول: يوم28 يناير كان موعد صرف علاجها... في هذا اليوم تحديدا استيقظت والفرحة ترتسم في عينها وبصوتها وأصرت أن تحكي لي عن حلم انها حلمت بارتداء فستان الزفاف وسط زحام شديد وناس لاتعرفهم فكانت سعيدة بأنها حلمت بأنها تزوجت وكان ردي عليها انها تريد ان تسرع بالزواج ابتسمت وارتدت ملابسها وخرجت لمركز صحة السيدات بصحبة شقيقيها ابراهيم ويواصل عند وصولها لمركز الصحة بمنطقة محطة الرمل رفض شقيقي ابراهيم الدخول معها نظرا لوجود عدد كبير من السيدات وطلب منها ان ينتظر بالخارج.. وبعد مروره بفترة شعرت بقلق لاتدري مصدره فخرجت من المركز لتطمئن علي ابراهيم.. فكانت الصاعقة التي ألمت بها.. ابراهيم ملقي علي الأرض وسط بركة من الدماء هرولت اليه وحاولت أن ترفعه من علي الأرض وهي تصرخ قتلوه قتلوه ولعدم قدرتها علي حمله سقط منها علي الارض في هذه اللحظة فقط.. اصابتها رصاصة من احد الضباط خرقت الرئة والصدر فسقطت هي الاخري بجوار شقيقها ابراهيم وهي فاقدة الوعي.. فأسرع المواطنون ونقلوا الاثنين الي المستشفي الرئيسي الجامعي.. في هذه اللحظات كنت انتظر عودتهما بفارغ الصبر ولم يعودا ولكني تلقيت مكالمة تليفونية من تليفون هديا لمحمول وجاءني صوت شاب يؤكد لي بأن صاحبة هذا لتليفون قد صدمتها سيارة وتم نقلها الي المستشفي الرئيسي الجامعي كاد يغمي علي ماذا افعل ؟ وبعد ان استجمعت قواي هرولت الي المستشفي وانما دائم الاتصال برقم هاتف شقيقيتي المحمول ولكن احد ا لم يرد وعند وصولي للمستشفي اكتشفت أن الذي حادثني سرق التليفون وفر هاربا. وبعد فترة من البحث عثرت علي هدي ملقاة علي سرير في احد الاقسام وبصعوبة بالغة اخبرتني بما حدث ولحظتها تذكرت شقيقي ابراهيم فعلمت بأنه تم وضعه في ثلاجة المستشفي وبصعوبة عثرت عليه بين الجثث المتراكمة. يسكت ولكن صوت بكائه لاينقطع ويواصل بصعوبة فيقول وظلت هدي بالمستشفي لتلقي العلاج جراء اصابتها بطل ناري بالصدر والرئة.. وبعد مرور اربعة ايام قمت بدفن شقيقي ابراهيم والتفت الي شقيقتي التي كانت تتألم جراء الطلق الناري.. وطوال شهرين مكثت خلالهما داخل لمستشفي الرئيسي الجامعي لم تشهد حالتها الصحية اي تقدم بل كانت في تدهور مستمر.. وتم اخراجها كي تعود مرة اخري لذات المستشفي.. هنا طلبوا مني اصدار قرار علاج لها علي نفقة الدولة اسرعت الي القومسيون الطبي بالمنشية وهناك قالوا لي بالحرف الواحد هوفيه حد النهاردة بيستخرج قرار علاج علي نفقة الدولة.. هو فيه وزارة صحة اصلا ويتذكر التفاصيل المؤلمة التي عاشها فيقول.. قمت بصرف المبلغ الذي كنت اعتزم شراء لاجهزة الكهربائية لها كي تتزوج لكني انفقته علي علاجها بالكامل.. وعندما عجزت عن سداد المصاريف وشراء العلاج لجأت الي اذاعة الاسكندرية وتليفزيون القناة الخامسة لشرح حالة هدي الصحية وحاجتها للعلاج وانا اسعطف القلوب الرحيمة.. ولم تمض فترة الا وتلقيت مكالمة هاتفية من احد الاطباء الشرفاء ويدعي الدكتور طارق المرشدي الذي ابدي استعداده الكامل لعلاج شقيقتي وارسل لنا سيارة خاصة لنقل هدي ووالدتي وانا الي المركز الطبي الخاص به بالقاهرة.. وهناك تلقت العلاج وكان مكلفا للغاية هنا يصمت وليد شقيق الشهيدة هدي وتستمع الي الدكتور طارق المرشدي الذ ي قال.. علمت عن حالة الشهيدة هدي من خلال الراديو منذ15 يوما وعلي الفور قمت باستدعائها واسرتها استقبلتها بالمركز واتضح بأنها مصابة بطلق ناري في الرئة وشروخ في القلب. وعلي الفور بدأنا العلاج ولكن كانت هناك عقبة امامنا وان جهازها التنفسي لا يستقبل كمية الأوكسجين اللازمة للجسم ويستوعب نسبة منها. هنا القلب لم يستوعب كل هذا الضغط.. الي جانب اجراء عملية جراحية لاسئتصال الثدي الضلعين اللذين حدث لهما احتكاك بالصدر نتيجة الطلق الناري. و يستطرد: نحن في انتظار تقرير الطبيب الشرعي بعد تشريح الجثة والذي سوف يثبت انها توفيت نتيجة طلق ناري و هذا سيثبت حقها في التحقيقات. ويواصل قائلا.. وكأنني قد فتحت باب جهنم لي ولاسرتي, حيث بد أت تتوالي المكالمات التليفونية التي تحمل تهديداتي من اسرة الضابط المتهم وتارة اخري يعرض علي مبالغ مالية لتسوية الامر والتنازل عن الدعوي القضائية ولكن صممت علي عدم التنازل عن حق شقيقي.. وفي احد الايام فوجئت بأحد البلطجية يقتحم الحجرة التي نعيش فيها وهو يبحث عن الاوراق التي سنقدمها للنيابة وعند فشله قام بإحراق الحجرة ولكن ارادة الله ان تحترق المرتبة فقط.. وعندما اسرع سكان العقار بالقبض عليه وتسليمه للشرطة العسكرية اعترف بأن اسرة الضابط هي التي حرضته لحرق الحجرة بعد ان منحته مبلغ5 آلاف جنيه.. ومن ذلك الوقت وانا لا أستطيع ان اطابق يقدمي حجرتنا خشية أن يقتلني احد. ويضيف ان المساومات و العروض والاغراءات المالية مستمرة حتي بعد ان لفظت هدي انفاسها.. ولن يطالبني أحد بعدم اتخاذ اي اجراءات اخري بعد وفاة هدي وان كل ماسأطبه مجاب.. و تارة اخري اجد التهديدات والوعيد لي واسرتي.. لاأدري ماذا افعل سوي ان اقول حسبي الله ونعم الوكيل واليوم سيواري التراب جسد الشهيدة هدي العروس التي تزف للسماء بدلا من ان تزف لعش الزوجية ولكن ستخلف واءها مشاكل لشقيقها الذي اصبح وحيدا ولايعلم ماذا ستخبيء له الايام القادمة.