إن القلب له جنود فهو ربان السفينة وله من يعاونه ويعينه, فقد يكون له جند يري بالأبصار مثل اليد والرجل والعين والأذن واللسان وجند لا يري إلا بالبصائر, فالقلب في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان . فأما جنده الذي يري بالأبصار; فإن جميعها خادمة للقلب ومسخرة له, فهو المتصرف فيها, وقد خلقت جميعها مجبورة علي طاعته, لا تستطيع أن تعصيه, ولا أن تتمرد عليه, فيطيعونه ما أمرهم. والقلب يحتاج لهذه الجنود من حيث احتياجه إلي مركب توصله إلي الله تعالي, وزاد لسفره الذي لأجله خلق. فالله سبحانه يقول( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فالقلب مركبه هو البدن, وزاده هو العلم. وبلا شك أن الأسباب التي توصله إلي الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل الصالح, فالدنيا مزرعة الآخرة فلابد أن يتزود منها, والبدن مركبه الذي يعينه علي ذلك, فلذا احتاج إلي حفظ البدن, فوجد الغذاء سبيله إلي ذلك, فاحتاج لأجل الغذاء إلي جنديين أحدهما باطن وهو الشهوة, وهو إدراك السمع والبصر والشم واللمس والذوق, وآخر ظاهر وهو اليد والأعضاء الجالبة للغذاء. كيف يتسلط الشيطان علي القلب بالوسوسة؟ لابد أن نعلم أن القلب هو الهدف الذي تضرب عليه السهام من كل جانب, وهو أيضا مرآة تظهر فيها الصور المختلفة, فإن الإنسان إذا أحس شيئا حصل من ذلك أثر في القلب, وإن كف عن الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقي وينتقل الخيال من شيء إلي شيء, فينتقل القلب من حال إلي حال, وأكثر شيء يؤثر في القلب هو الخواطر, وهي التي تحرك الإرادة, فتتحرك الرغبة في الإنسان إما إلي الشر وهو خاطر يسمي وسواسا ويكون من الشيطان وطالما قبل العبد طرف الخيط من الشيطان فهذا ما يسمي إغواء وخذلانا, وإما إلي الخير والدار الآخرة وهو خاطر محمود يسمي إلهاما فهذا الخاطر الداعي إلي الخير هو من الملائكة. والقلب يكون متجاذبا بين الشيطان والملك, وبما أن القلب لا يخلو عن الشهوات كالغضب والطمع إلي غير ذلك, فلا شك أن الشيطان يكون له جولان في هذا القلب بالوسوسة, وبالأخص كلما غلب علي القلب ذكر الدنيا والهوي. وكلما انصرف القلب إلي ذكر الله تعالي ارتحل الشيطان وضاق به الحال, وأقبل الملك وألهم العبد بالخير. والقلب دائما في معركة بين الاثنين, إلي أن ينفتح القلب لأحدهما فيستوطن فيه ويتمكن, ويكون اجتياز الآخر اختلاسا. ولا يعالج الشيء إلا بضده, وقطعا ضد جميع وساوس الشيطان, ذكر الله, والاستعاذة بالله, والتبرؤ من الحول والقوة, وهو معني قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وذلك لا يقدر عليه إلا المتقون الغالب عليهم ذكر الله تعالي.