إنها خارج نطاق الاهتمام رغم أنها في قلب القاهرة.. إلا إنك بمجرد دخولها تشعر أنك في عالم آخر, وكأنك بالفعل داخل عالم الاحشاء!! انها بطن البقرة. في مصر القديمة وخلف مسجد عمرو بن العاص تعيش3500 أسرة في ظروف حياة يومية شديدة القسوة, في منطقة محرومة من كل الخدمات الأساسية والمرافق, مشاهد أكوام القمامة والروائح الكريهة, هي أول ما يستقبل زائريها. فيها يتعايش الأحياء مع الحيوانات وأنواع الحشرات المختلفة, وجميع اشكال التلوث, لتصبح امراض الكلي وحساسية الصدر وكذلك الجلدية سمة اساسية لسكانها, وعلي مساحة كبيرة تقف البيوت العشوائية التي تحصنها حجارة جبل المقطم, وقد تمثل احيانا جزءا من جدران الحجرات التي تحتمي بها أسر لا مأوي لها, فكل أسرة مكونة من6 أو7 أفراد يعيشون في حجرات ضيقة جدا لا تتعدي مساحتها عدة أمتار, ومنازل بدون صرف صحي وتنقطع المياه فيها لشهور. بينما ايجار الغرفة يتراوح ما بين50 إلي100 جنيه وتبدأ المعاناة اليومية بطابور امام الحجرة الوحيدة المستخدمة كدورة مياه في المنزل, الذي يضم6 أو7 أسر علي الأقل, دورات مياه تفرغ ما بها في ترنشات وفي حالة التأخير يستخدم الدلو الموجود امام باب كل غرفة لازاحة المياه المستخدمة خارج المنطقة او تنتظر عربيات الإزاحة للتخلص منها مقابل100 جنيه كل أسبوع يجمعها السكان فيما بينهم, مهمة يقوم بها في كثيرمن الأحيان الأطفال فالكل يردد هناك نفس الشكاوي: عدم القدرة علي تحمل الحياة في مساحات خانقة. في البداية يقول فتحي علام تاجر كرتون حيث يقوم بتدوير المخلفات وهي من المهن الاساسية التي تتميز بها منطقة بطن البقرة ان المنطقة تفتقر لوجود مخبز وهو ما يضطرهم لشراء رغيف الخبز ب25 قرشا من خارج المنطقة وهو ما لا يكفي لسد حاجات اسر فقيرة لايتعدي دخلها ال200 جنيه شهريا, وعندما قام أحد التجار ويدعي الحاج امام بيومي ببناء مخبز( للعيش المدعم) وحصل علي موافقة وزارة التموين توقف العمل به تماما بسبب عدم وجود( عداد كهرباء) فجميع أهالي المنطقة تمد لهم الكهرباء عن طريق عداد واحد فقط, مما يتسبب في انقطاع الكهرباء يوميا بعد المغرب وهو ما يضطرهم للاتصال بالشركة ليغيثهم احد ويقومون بجمع مبلغ يتعدي الثلاثين جنيها بكل شارع حتي يقبل الموظف تصليح العطل وهو ما يعتبره الحاج فتحي استغلالا وابتزازا لأسر اغلبهم يعيشون علي مساعدات اهل الخير. ويكشف محمود عبدالهادي عامل باليومية عن عدم وجود مدرسة تستقبل أطفال المنطقة من طالبي العلم فمحمود لديه طفلان من اجل ألا يفسد عليهما حياتهما ويهدر مستقبلهما بان يعطيهما مصروفا يوميا قدره سبعة جنيهات, كمصاريف للمواصلات التي يستخدمانها للذهاب إلي مدرستهما التي تبعد كثيرا عنهما, ولم تنته المشكلة عند هذا الحد فيشتكي من مجموعات التقوية والتي يصفها بالجبرية فيقومون باجباره علي دفع25 جنيها شهريا لكل طفل من اولاده رغما عن انفه وعندما نشبت مشاجرة بينه وبين مدير المدرسة لانه لا يقدر علي دفع المبلغ بسبب ظروفه المعيشية المتدهورة هدده قائلا( لو ما دفعتش ابنك هيرسب). ويضيف( فوزي كمال عبدالمعبود محروس) عاطل والبالغ من العمر69 عاما القاطن بشارع الورشة من انه يعيش في غرفة ضيقة للغاية لا يوجد بها حتي سرير للنوم لا يدخلها الماء ولا الكهرباء وليس لديه اي دخل مادي يستطيع من خلاله سد احتياجاته اليومية ويعيش فقط علي مساعدات أهل الخير وهو الأمر الذي إذا انقطع يوما عنه يجعله ينام بدون ان يتناول الطعام فكل ما يطالب به الحاج فوزي هو مشروع صغير أو حتي كشك يستطيع من خلاله كسب قوت يومه. ويشير( بباوي نصيف) البالغ من العمر50 عاما نجار ان المنطقة كان يوجد بها مستوصف طبي مشهر يلجأ له الأهالي عند الحاجة للعلاج يسمي( مستوصف القديسة يوليان) وهو مشهرولكن غمرته المياه الجوفية حتي قاموا بردمه بالحجارة والتراب لتزداد معاناتهم في الحصول علي العلاج وعندما سألته عن وجود ما هو ابسط حقوقهم وهو وجود صيدلية رد قائلا:( إذا كانوا مش بيعاملونا كبني آدمين هيعملولنا صيدلية) مطالب المسئولين بإعادة بناء المستوصف وتوفير العلاج مضيفا ان جمعية آفاق والتي كانت تعتمد عليها المنطقة في توفير الخدمات توقفت عن العمل منذ سنة بسبب عدم وجود سيولة. وتقول فايزة عبدالخالق ربة منزل وأم لثلاثة أطفال يعاني احدهم من تضخم في الكبد وهو لا يتعدي عمره الأربع سنوات واخران يعانيان من صرع بالمخ والتي لا تقدر علي تحمل اعباء علاجهم والتي تتعدي ال500 جنيه شهريا حيث أن زوجها عامل نظافة ودخله الشهري لا يتعدي ال200 جنيه, وتضيف انها تقدمت بشكوي هي والأهالي إلي مديرية التعليم بمصر القديمة عن عدم وجود فصول او دروس تقوية للأطفال كما أن بعد المدرسة عن منازلهم اثر سلبا علي مستواهم الدراسي وجعلهم يرسبون مشيرة إلي تلوث المياه التي يعانون من اجل الحصول عليها فجميعهم يعتمدون علي صنبور مياه واحد فقط! ويضيف صلاح عبدالجيد37 عاما عامل باليومية ان طفله الوحيد الطالب بالصف السادس الابتدائي يحتاج إجراءعملية لاستئصال اللوزتين منذست سنوات وهو الأمر الذي جعله يتغيب عن دراسته كثيرا مما جعله يرسب في امتحانات آخر العام وهو لا يستطيع الحصول علي تكاليف اجرائها لانه بخلاف ظروفه المادية يعاني من خشونة في الفقرات وعندما حاول تجديد التقرير الطبي بمستشفي حلوان لصرف العلاج رد عليه الموظف قائلا إن العلاج علي نفقة الدولة قد انتهي؟! ويشير محمود محمد30 عاما دبلوم زراعي إلي معاناته حيث أنه مصاب بمرض الذئبة الحمراء منذ ست سنوات وذلك بسبب البيئة الملوثة المحيطة به فلا يستطيع العمل بسببها لانه ممنوع من التعرض للشمس بأمر من الأطباء الذين ذهب إليهم لآخر مرة منذ خمس سنوات ولم يستطع الذهاب للعلاج ودفع مصاريف الكشف الطبي الذي يتعدي المائة جنيه بخلاف تكاليف العلاج فكل حلمه ان يتعالج من مرضه حتي يستطيع العمل وكسب قوت يومه الحلال. ويضيف الحاج عبدالهادي طه78 عاما وهو ينتابه البكاء انه يعيش مع زوجته التي تعاني من شلل نصفي ولا يوجد له حتي معاش يستطيع منه الحصول علي الطعام فهو يعيش داخل غرفة متر في متر وليس لديه ابناء يساعدونه فكل ما يتمناه الحاج عبدالهادي هو مبلغ شهري حتي وان كان200 جنيه يستطيع بها علي حد قوله الحصول علي لقمة العيش. ويكشف محمد حمدان تاجر بلاستيك عن محاولات عديدة من قبل رجال الأعمال لشراء منطقة بطن البقرة وهدمها واقامة الابراج السكنية عليها منها محاولة( شركة المعادي للإنشاء والتعمير) والتي كانت حسب قوله ستطردهم من ديارهم التي عاشوا وتربوا فيها قبل الثورة بالتنسيق مع المحافظ السابق فكانت ثورة25 يناير حسب قول الأهالي نجدة لهم من التشرد والطرد كما فعلوا مع بعض قاطني بطن البقرة, فيقول عمر قمر الدولة دهشان البالغ من العمر70 عاما انه تعرض هو والكثير من الاهالي إلي الاعتداء بالضرب والقنابل المسيلة للدموع من قبل رجال الأمن المركزي وقاموا بهدم العشش وطردهم منها بالإكراه وذلك قبيل اندلاع الثورة دون صرف أي تعويضات لهم وقام المحافظ ببيعها لاحدي شركات التعمير وشيدوا عليه الأبراج التي يصل ثمن الشقة بها لملايين الجنيهات. وتستنكر نورا محمد ما قيل علي لسان البعض ونشرته احدي الصحف بأن منطقة بطن البقرة ما يحدث بها يشبه كثيرا ما تضمنه فيلم حين ميسرة معتبرة ذلك هي وباقي فتيات المنطقة اهانة كبري واعتداء علي شرفهن قائلة في غضب( احنا غلابة نعيش علي جمع المخلفات) وهو الأمر الذي جعل الكثيرات من الأهالي يمتنعن عن الحديث معنا خوفا من ان يتكرر نفس الأسلوب في عرض مشاكلهم والتجريح بهن الا بعد حديث طويل ووعد منا. وفي نهاية جولتنا اكد جميع اهالي بطن البقرة تمسكهم بالمنطقة التي يعيشون فيها وأنهم لا يستطيعون تركها ولكن كل ما يطلبونه هو توفير المرافق والخدمات وتطوير منازلهم حتي وأن اضطروا لتغيير نشاطهم حتي يستطيعوا العيش فقط كبني آدميين!؟