بعد مرور سبعة أعوام علي الانتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري, هل تستطيع ليبيا أن تعتمد النظام الوستفالي للدولة القومية, والذي يمكنها من احتكار استخدام القوة القسرية, في ظل التجمعات القبلية القائمة و المراكز الحضرية الساحلية الشاسعة جغرافيا و الواحات الصحراوية؟ بناء علي حل عملي وواقعي, فان ليبيا تحتاج فقط للمصالحة السياسية والعمل الشاق علي إنشاء دولة من العدم حتي تستطيع أن تلبي احتياجات الشعب الليبي وجيرانها في المنطقة. ولعل الأمر يحتاج إلي إعادة النظر ومراجعة التعريف الخاص بطبيعة تلك الدولة و سيادتها. أقترح أن يعاد تعريف فكرة القوة القسرية لتشمل التضامن الدولي ودعم العملية السياسية للأمم المتحدة في ظل التفتت المستمر لقوات الأمن الوطنية الليبية واستمرار انخراط الميليشيات المستقلة المدججة بالسلاح في المشهد العام. بالرغم من أن هذا الدعم, والذي يحدث من خلال المفاوضات والتنسيق المشترك, يتقاطع مع سلطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة علي نحو لا يمكن إنكاره, إلا أنه يمثل دعما لمجهوداته الساعية لاحتواء وتشكيل الأنشطة التي تقوم بها العناصر الإقليمية ودعم العملية السياسية التي تحقق سيادة للشعب الليبي بدرجة أكبر وتحكم أكثر في حياتهم ومواردهم, مع الاعتراف بمصالح الآخرين المتضررين من غياب الاستقرار والحكم الفعال في ليبيا. إن أي عملية سياسية ناجحة يجب أن تشمل أو تسهم في تحقيق توزيع عادل للثروة في ليبيا, والتي بدونها لن يتحقق الأمن. في ظل غياب الفكرة الوطنية أو هوية ليبية مشتركة, والتي سوف تظهر كجزء من العملية السياسية, فإن هذه الثروة, والتي تربط صحاريها الجنوبية بموانئها في البحر المتوسط, توفر ذريعة للوحدة الوطنية في حال ما تم استغلالها وتوزيعها بشكل صحيح وشفاف. ولكي يدعم النفط المجتمع الدولي, يجب الحفاظ علي العلاقة الوحدوية بين شركة النفط الوطنية والبنك المركزي الليبي دون أن تنتهك حرمتها, وفي ظل دعم من المجتمع الدولي. إن التحدي الذي واجهته سلسلة من البعثات الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا, والوسيط الدبلوماسي, والسفراء, والمبعوثين الخاصين وغيرهم يتمثل في معرفة حقيقة ما يريده الليبيون بخصوص حكومتهم. في أعقاب الثورة, انخرط الكثيرون في مداولات صادقة وجاهدة مع مجموعة واسعة من المحاورين من جميع أنحاء طيف المجتمع السياسي والفكري والمدني في ليبيا بهدف تحديد العناصر الأساسية للوحدة السياسية الليبية الناجحة. هذه المهمة ليست بسيطة خاصة في مجتمع كان يتم تغذية أميته السياسية بشكل متعمد, ليس فقط من قبل نظام القذافي, بل أيضا من قبل النظام الذي سبقه. ظهرت ثلاثة مبادئ بعد انتهاء حوار سري, والذي بدأ في أواخر عام2013 بواسطة طارق متري المبعوث الدولي الأسبق إلي ليبيا بين الفيصلين الرئيسين في المؤتمر الوطني العام المنحل والذي تطور إلي محادثات مستمرة مع40 ممثلا منه, هذه المبادئ تنص علي أن الليبيين يريدون حكومة غير مركزية بشكل كبير وفي شكل رئاسي إلي حد ما, بالإضافة إلي الاتفاق علي أن الشريعة هي أساس مقبول للدستور. في وقت لاحق, عندما شعرت المملكة المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية بالإحباط من بطء وتيرة الحوار السياسي آنذاك في2013, عينتا مبعوثين للتحاور مباشرة مع الأطراف الليبية التي افترض أنها تمتلك القوة, وهو افتراض ثبت أنه مشكوك في صحته فيما بعد. وقد أخذ برناردينو ليون هذه العملية لما هو أبعد من ذلك, فقد قاد وأسس للعديد من الحوارات بين المجموعات المختلفة, وهو ما أنتج حكومة الوفاق الوطني في اتفاق التاريخي عام.2015 وضغط خليفته مارتن كوبلر من أجل إحداث تقدم في عملية صياغة الدستور, بينما واصل غسان سلامه عملية تنقيح الفكر الليبي حول هيكل وسلطات ومخصصات السلطة داخل الحكومة, وهو أمر أساسي للانتخابات الجديدة, والتي كان هدفها في الماضي هو خلق الشقوق فقط في ظل غياب سلطات مؤسسية واضحة. وقد انتقد البعض هذه العملية السياسية الطويلة والمجزأة وغير الفعالة بسبب استغلال مجرمي ليبيا وعناصر إرهابية لمساحات واسعة من الأرض لا تخضع لسلطة أحد, فضلا عن التحالفات الانتهازية التي يبدو أنها تحقق أهداف أمنية أو إنسانية علي نطاق أوسع. ورغم أن هذا النهج مفهوم, إلا أنه لن يؤدي إلي حلول مستدامة. في هذه الأثناء, قد يشهد أولئك الذين شهدوا مباشرة علي التبادل بين الأعداء السابقين أو أولئك الذين لا تزال أجنداتهم غير مشكلة, قيمة هذه المحادثات والنضج السياسي لأولئك الذين شاركوا.هذا هو بناء الدولة في مستواه الأساسي. يجب الترحيب بجميع الليبيين وإعادة تأهيلهم إذا لم يكونوا مذنبين بارتكاب جرائم بشعة, وسوف تكون هناك حاجة للتكنوقراط من ذوي الخبرة. فقد اخفق المجتمع الدولي في أبريل2013 عند التزم الصمت بعد ترهيب البرلمان الليبي من قبل الميليشيات المسلحة وفرض ما يسمي قانون العزل السياسي, الذي أزال فعليا العديد من التكنوقراط الذين يمتلكون الخبرات في معظم المجالات التي تحتاجها ليبيا للحفاظ علي روابطها الأساسية مع المجتمع الدولي. باعتباري مواطنة أمريكية, أنا أؤمن أنه لا شيء يحمي حقوق الإنسان السياسية والدينية والشخصية أكثر من إشراف حكومة قوية تخضع للمساءلة أمام شعبها ولسيادة القانون. في النهاية, يجب علي الليبيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيقدمون التنازلات الضرورية التي تمكنهم من تشكيل تلك الحكومة وممارسة السيادة علي دولتهم. وبخلاف ذلك, سوف يضطرون إلي قبول حتمية تأثير القوي الخارجية الإقليمية إلي ما لا نهاية, وأنا متأكدة من أنهم سيتفقون علي أنه غير مقبول علي الإطلاق. من مقال للسفيرة الأمريكية السابقة لدي ليبيا ديبورا جونز(2013-2015) منشور علي موقعvaldaiclub الروسي